للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحج الأكبر}، قال: يومُ النحر يومُ يَحِلُّ فيه المحرم، وينحر فيه البدن. وكان ابن عمر يقول: هو يوم النحر. وكان أبي يقوله. وكان ابن عباس يقول: هو يوم عرفة. ولم أسمع أحدًا يقول إنه يوم عرفة إلا ابن عباس. قال ابن زيد: والحجُّ يفوت بفوت يوم النحر، ولا يفوت بفوت يوم عرفة، إن فاته اليومُ لم يفته الليل، يقف ما بينه وبين طلوع الفجر (١) [٢٨٨٧]. (ز)

{الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}

٣١٦٥٥ - عن عمرو بن شعيب [بن محمد بن عبد الله بن عمرو] عن أبيه عن جده قال: كانوا يجعلون عامًا شهرًا وعامًا شهرين، يعني يحجُّون في شهر واحد مرتين في سنتين، ثم يحجُّون في الثالث في شهر آخر غيره، قال: فلا يقع الحج في أيام الحج إلا في كل خمس وعشرين سنة، فلما كان حج أبي بكر وافق ذلك العام شهر الحج فسمّاه الله الحج الأكبر (٢). (ز)


[٢٨٨٧] أفادت الآثارُ اختلاف المفسرين في معنى: الحج الأكبر على أقوال: الأول: أنه يوم عرفة. الثاني: أنه يوم النَّحْر. الثالث: أنه أيام الحج كلها، لا يوم بعينه.
ورجَّح ابنُ جرير (١١/ ٣٣٦) مستندًا إلى السُّنَّة، وأقوال السلف، ودلالة العقل القول الثاني، وهو قول علي بن أبي طالب? وما في معناه، وعلَّل ذلك بقوله: «لتظاهر الأخبار عن جماعةٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ عليًّا نادى بما أرسله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرسالة إلى المشركين، وتلا عليهم براءة يوم النَّحْر. هذا مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال يوم النَّحْر: «أتدرون أيُّ يومٍ هذا؟ هذا يوم الحج ِّالأكبر»». ثم بيَّن أن «اليوم إنما يضاف إلى المعنى الذي يكون فيه، كقول الناس: يوم عرفة، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة ... وكذلك: يومُ الحجّ، يومٌ يَحُجُّون فيه. وإنما يَحُجُّ الناس ويقضون مناسكهم يوم النَّحْر؛ لأن في ليلة نهار يوم النَّحْر الوقوفَ بعرفة غير فائتٍ إلى طلوع الفجر، وفي صبيحتها يُعْمَل أعمال الحج".
وانتقد (١١/ ٣٣٧) القولَ الأول مستندًا إلى الدلالة العقلية قائلًا: «فأمّا يوم عرفة -فإنّه وإن كان فيه الوقوف بعرفة- فغير فائتٍ الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النَّحْر، والحجُّ كلُّه يوم النَّحْر».
وانتقد مستندًا إلى مخالفة الأَشْهَر في لغة العرب القول الثالث قائلًا: «وأمّا ما قال مجاهد -من أنّ يوم الحج إنما هو أيامه كلها- فإنّ ذلك وإن كان جائزًا في كلام العرب فليس بالأشهر الأعْرف في كلام العرب من معانيه، بل أغلب على معنى اليوم عندهم أنّه من غروب الشمس إلى مثله من الغد، وإنما مَحْمَل تأويل كتاب الله على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه».
ووجَّه ابنُ عطية (٤/ ٢٥٦) تفسير اليوم بالأيام على قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وابن جريج، وسفيان بن عيينة -وهم أصحاب القول الثالث- بقوله: «وهذا كما قال عثمان لعمر - رضي الله عنهما - حين عرض عليه زواج حفصة - رضي الله عنها -: إنِّي قد رأيتُ ألّا أتزوج يومي هذا، وكما ذكر سيبويه أنّك تقول لرجل: ما شغلك اليوم؟ وأنت تريد: في أيامك هذه».
وبيَّن ابنُ عطية (٤/ ٢٥٥ بتصرف) قائلًا: «تظاهرتِ الأحاديثُ بأنّ عليًّا? أذَّن بتلك الآية يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر?، ثم رأى أنّه لم يعلم الناسُ بالإسماع فتتبعهم بالأذان بها يوم النحر، وفي ذلك اليوم بعث معه أبو بكر مَن يُعيْنُه بالأذان بها كأبي هريرة? وغيره، وتَتَبَّعوا بها أيضًا أسواق العرب كذي المجاز وغيره». ثم علَّق بقوله: «فمِن هنا يترجح قولُ سفيان: إنّ يَوْمَ في هذه الآية بمعنى أيام».
وبناءً على ما ذكره ابنُ عطية مِن أذان علي يوم عرفة ببراءة وجَّه (٤/ ٢٥٥) تسمية يوم عرفة بالحج الأكبر لكون أول الأذان ببراءة وقع فيه، ووجَّه القولَ بأنه يوم النحر: لكون إكمال الأذان وقع فيه، وذكر بأنّ أصحاب القول الثاني -القائلين بأنّ يوم الحج الأكبر هو يوم النحر- احتجوا أيضًا بأنّه مَن فاته الوقوف يوم عرفة فإنه يجزيه الوقوف ليلة النحر، فليس يوم عرفة على هذا يوم الحج الأكبر «. وانتقد ذلك بقوله:» ولا حُجَّة في هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>