للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المبحث الأول مرحلة الروايات الشفهية]

كان العرب قبل الإسلام يعتمدون في حفظ أيامهم وأشعارهم على الحفظ وقوة الذاكرة، حتى جاء الإسلام وقد نمت تلك الملكة لديهم وتميزوا بها، فأعملوها في حفظ القرآن والسُّنَّة، ونقل نصوصهما بألفاظهما، أما الكتابة والتدوين فإنها وإن كانت حاضرة عندهم لكنها بصورة محدودة، وقد أفاد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من وجود بعض الكَتَبَة في كتابة القرآن الكريم وتدوينه، وورد عنه النهي ابتداء عن كتابة ما سوى القرآن الكريم خشية اختلاطه بالقرآن الكريم الذي لم يكن قد جُمع بعد، ثم أذن بكتابتها في آخر حياته -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).

واستمر تناقل علوم الشريعة عن طريق الحفظ والمشافهة في عهد الصحابة ومن بعدهم، وكان هو الأساس في التعلم والتعليم، إِلا أن الكتابة بدأت مع الأيام تتوسع وتنتشر لتكاثر الدواعي لها، حتى أصبحت الطريق الرئيس في التعلم، وفي ذلك يقول ابن الأثير: "وكان اعتمادهم أولًا على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر غير ملتفتين إلى ما يكتبونه، ولا معوِّلين على ما يُسطِّرونه، محافظة على هذا العلم كحفظهم كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، فلما انتشر الإسلام، واتسعت البلاد، وتفرقت الصحابة في الأقطار، وكثُرت الفتوح، ومات معظم الصحابة، وتفرق أصحابهم وأتباعهم وقلَّ الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، ولعمري إنها الأصل، فإن الخاطر يغفل، والذهن يغيب، والذكر يُهمل، والقلم يحفظ ولا ينسى" (٢).

وقبل أن ننتقل إلى الحديث عن مرحلة الكتابة والتدوين يحسن أن نقف على طرق


(١) ينظر ذلك بتوسع في: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه ص ٧١ - ٩١، بحوث في تاريخ السُّنَّة المشرفة ص ٢٨٧ - ٢٩٢.
(٢) جامع الأصول من أحاديث الرسول ١/ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>