وذكر ابنُ جرير (١/ ٢٨٩) في مقابلة قولِ سلمان قولَ ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة، وقولَ الربيع بن أنس، ثم رجَّح مستندًا إلى دلالة الإجماع ما أفادته أقوالُهم من القول بكونها نازلةً في المنافقين في عهد النبوة، وإن كانت تشمل غيرهم ممن يأتي بعدهم، فقال: «وإنما قلنا أوْلى التأويلين بالآية ما ذكرنا لإجماع الحُجَّة من أهل التأويل على أن ذلك صفة مَن كان بين ظهراني أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين، وأنّ هذه الآيات فيهم نزلت، والتأويل المُجْمَعُ عليه أوْلى بتأويل القرآن مِن قولٍ لا دلالة على صحته من أصل ولا نظير». وجمع ابنُ تيمية (١/ ١٥٦) بين قول سلمان والأقوال الأخرى، ولم ير بينها تَعارُضًا، فقال: « ... وقال تعالى: {وإذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قالُواْ إنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ * ألا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ ولَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١١ - ١٢]، والضمير عائد على المنافقين في قوله: {ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وبِاليَوْمِ الآخر وما هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٨]، وهذا مُطْلَق يتناول مَن كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومَن سيكون بعدهم، ولهذا قال سلمان الفارسي - رضي الله عنهما -: إنه عنى بهذه الآية قومًا لم يكونوا خُلِقوا حين نزولها».