للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المبحث الأول التفسير في عهد النبوة]

أرسل اللَّه النبي محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بلسان قومه كما هي سُنَّته عزَّ وجلَّ في بعث الرسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤]، وأنزل معه القرآن بلغة العرب: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥]، فجاء على سَنن أساليبهم وطريقة كلامهم، فبلَّغه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قومَه كما أمره ربه عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧]، وأنذرهم به وكل من بلغه القرآن: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩].

من هنا يمكن القول بأن التفسير المأثور نشأ مع نزول القرآن الكريم، إذ كان هؤلاء العرب يفهمون كلام اللَّه ولا تخفى عليهم عموم معانيه، وعلى إثر ذلك تفاوتت مواقفهم تجاه نبي للَّه وكتابه، ما بين معترض عليه كافر به، وموافق مؤمن به -وهم الصحابة رضوان اللَّه علمهم-، ولا شك أن إيمان الصحابة ناتج عن فهم كامل، واقتناع تام بما سمعوه من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا غرو فقد كانوا أهل العربية وبني بجدتها، لا تخفى عليهم ما تحويه من فنون البيان وأساليب القول، وقد نزل القرآن على نمطها، غير أنه سما عليهم جميعًا بدقة التعبير، وقوة المعاني، ورصانة الألفاظ، وسحر البيان، فانبهروا بطريقته، وولعوا بأسلوبه، ووعوا معانيه، وأدركوا مراميه، فكانوا يتلقفونه من فيّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فيتعلمونه ويعملون به مباشرة، فعن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا إذا تعلمنا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر آياتٍ من القرآن لم نتعلم العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيها"، قيل لشريك: مِن العمل؟ قال: نعم (١)، وروى


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ١/ ٧٥٥، كتاب فضائل القرآن، ح (٢٠٩٩)، تحقيق: مقبل الوادعي، ط. دار الحرمين بمصر، ١٤١٧ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>