للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبو عبد الرحمن السلمي قال: "حدثنا من كان يُقرئنا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنهم كانوا يقترئون من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى، حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل" (١).

بل كانوا شديدي الحرص على فهم معاني القرآن الكريم وتدبر ما فيه من الأوامر والنواهي، فعن القاسم بن عوف قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر يقول: "لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يُؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فنتعلم حلالها وحرامها، وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدَّقل" (٢).

ولم يحتج الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بمقتضى سليقتهم العربية- إلى تكلف فهم القرآن، وعلم ظواهره، وإدراك ظواهر معانيه، لأن أكثر آيات القرآن واضحة المعنى، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت: ٢٠٩ هـ): ". . . لم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يسألوا عن معانيه لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص، وفي القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعاني. . . " (٣).

لكن تبقى آيات قد يُشكل فهمها عليهم إذا فسروها بمقتضى معناها اللغوي العام، فكانوا يلجؤون إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيبيِّنه لهم أتم بيان، ويوضح ما أشكل عليهم.

مثال ذلك: ما رواه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]، قلنا: يا رسول اللَّه، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: "ليس كما تقولون {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] بِشِرْكٍ، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: يا بني لا تشرك باللَّه إن الشرك لظلم عظيم" (٤). وفي رواية قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] قال أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فنزلت {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] " (٥).


(١) مسند الإمام أحمد ٣٨/ ٤٦٦، ط. مؤسسة الرسالة.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤/ ٦١٧ (٨٧٠٩)، والبيهقي في السنن الكبرى ٣/ ١٧١.
(٣) مجاز القرآن ١/ ٨.
(٤) صحيح البخاري ٤/ ١٤١.
(٥) صحيح البخاري ٤/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>