للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به" (١)، وقال أيضًا: "خذوا التفسير من أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك" (٢)، ووصفه ابن تيمية بأنه آية في التفسير، وقال: "ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم، وكذلك الإمام أحمد وغيره ممن صنف في التفسير، يكرر الطرق عن مجاهد أكثر من غيره" (٣).

والناظر في تفسيره يرى مصداق ذلك، فقد كان رحمه اللَّه ذا نظر ثاقب، واجتهاد رصين، ودقة في إبراز المعاني، واستنباط الدقائق، وتوسع في التفسير، ما لا تجده عند كثير من أقرانه، وقد بلغت آثار تفسيره في الموسوعة (٤٧٤٤) أثرًا، تشهد بعلو كعبه في التفسير، وتميزه في التأويل.

* أسباب تقدم مجاهد في التفسير وكثرة آثاره (٤):

لا شك أن لتلك المكانة التي بلغها مجاهد في التفسير أسبابًا وعوامل عديدة، لعل من أبرزها:

١ - صحبته لابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وطول ملازمته له: حتى كان أخص تلاميذه به، لا سيما في كونه عرض القرآن عليه كاملًا قراءة وتفسيرًا عدة مرات، عرض سؤال وتفهم، كما تقدم.

٢ - تفرغه للتفسير النظري: إذ تخصص فيه، واستفرغ جهده، ولم يشتغل بغيره كما اشتغل به، وفي ذلك يقول: "استفرغ علمي القرآن" (٥)، بل إنه لم يشتغل كثيرًا برواية تفسير غيره، حتى أقرب العلماء إليه، فقد كان من أقل تلاميذ ابن عباس رواية عنه مع أنه من أكثرهم أخذًا عنه.

٣ - توسعه في الاجتهاد، والاستنباط: فقد استفاد ذلك من شيخه ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وتميز عن أقرانه فيه، فكان من أكثرهم إعمالًا للرأي في التفسير، ومن أميزهم في بيان المشكل منه.

٤ - عناية تلاميذه بنقل تفسيره، ونشر تراثه وروايته لمن بعده، يأتي على رأسهم عبد اللَّه بن أبي نجيح (ت: ١٣٢ هـ)، الذي روى أغلب تفسيره حيث بلغت في الموسوعة


(١) تفسير الطبري ١/ ٨٥.
(٢) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٥١.
(٣) مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص ١٠.
(٤) ينظر: تفسير التابعين ١/ ١٢٥ - ١٣٥.
(٥) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>