وذكر ابنُ عطية (٨/ ٥٦٢) هذه الأقوال، ثم علّق قائلًا: «والمعنى: أن كتابهم الذي فيه أعمالهم هنالك تهممًا بها وترفيعًا لها، وأعمال الفُجّار في سِجِّين في أسفل سافلين». وقد رجّح ابنُ جرير (٢٤/ ٢١٠ - ٢١١ بتصرف) جملةَ هذه الأقوال؛ لدلالة اللغة، والإجماع، وعدم التخصيص، فقال: «والصواب من القول في ذلك أن يُقال: إنّ الله -تعالى ذِكْره- أخبر أنّ كتاب الأبرار في عِلِّيّين؛ والعِلِّيّون جمع، معناه: شيء فوق شيء، وعلوّ فوق علوّ، وارتفاع بعد ارتفاع، فلذلك جُمعتْ بالياء والنون، كجمع الرجال. فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا فبيّنٌ أنّ قوله: {لفي عِلِّيّين} معناه: في علوٍّ وارتفاع، في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ. وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سِدرة المنتهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض، والصواب أن يقال في ذلك كما قال -جلّ ثناؤه-: إنّ كتاب أعمال الأبرار لَفي ارتفاع إلى حدٍّ قد علم الله -جلّ وعزّ- منتهاه، ولا عِلْم عندنا بغايته، غير أنّ ذلك لا يقصر عن السماء السابعة؛ لإجماع الحجّة من أهل التأويل على ذلك». وذكر ابنُ كثير (١٤/ ٢٨٨) اختلاف السلف في عِلِّيّين، ثم قال مستندًا إلى دلالة الواقع، والسياق: «والظاهر: أنّ عِلِّيّين مأخوذ من العلوّ، وكلما علا الشيء وارتفع عظم واتسع؛ ولهذا قال معظّمًا أمره ومفخمًا شأنه: {وما أدراك ما عِلِّيّون}، ثم قال مُؤكِّدًا لما كتب لهم: {كتاب مرقوم يشهده المُقرَّبون} وهم الملائكة. قاله قتادة».وزاد ابنُ عطية (٨/ ٥٦٢) عن مكيٍّ أنه قال: «وقيل: هو في السماء الرابعة».