للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم تقف رحلاتهم على طلب العلم فحسب، بل رحلوا أيضًا لنشر ذلك العلم وبثه، فهذا مقاتل بن سليمان استقر في آخر حياته بالعراق متنقلًا بين بغداد والبصرة، وكانت له مجالس علمية فيها وفي غيرها من البلاد التي رحل إليها (١).

وكذلك يحيى بن سلّام الذي انتقل إلى بلاد المغرب التي كانت أرضًا بكرًا تحتاج إلى العلماء، فاستقر في القيروان بتونس ومكث بها حوالي عشرين سنة، بَثَّ فيها علمه، وألقى تفسيره، ونال مكانة مرموقة بين أهلها وحكامها، وكان من أوائل من بذر فيها التفسير وعلوم القرآن، ومن هنا كانت للمتقدمين من أهل المغرب والأندلس عناية بالغة بتفسيره (٢).

ثانيًا: توسع التفسير في عهد أتباع التابعين (٣):

توسع التفسير في عهد الأتباع بصورة ملموسة، وكان لهذا التوسع معالم عديدة، من أبرزها:

[١ - التوسع بإطالة العبارة في التفسير]

وذلك أن تفسير أتباع التابعين لم يختلف عن تفسير مَن قبلهم، بل كثيرًا ما يكون هو تفسيرهم، والآراء هي آراء مشايخهم بمعانيها، إِلَّا أنهم كثيرًا ما يستطردون في المعنى ويطيلون في العبارة، والناظر في هذه الموسوعة يلحظ ذلك عند المقارنة بين أتباع التابعين ومن قبلهم عند تفسير بعض الآيات.

[٢ - توسع التفسير بشموله جميع ألفاظ القرآن وآياته]

ذكرنا أن منهج السلف عمومًا هو تفسير ما أشكل من القرآن واحتيج إلى بيانه، لكن نظرًا لزيادة تلك الحاجة في ذلك العصر فقد ظهر في جيل أتباع التابعين من فسَّر جميع سوره وآياته ومعظم ألفاظه، يظهر ذلك جليًّا في تفسيري مقاتل بن سليمان، ويحيى بن سلّام، اللذين وصلانا عبر القرون واطلعنا على ذلك المنهج فيهما، ومصداق ذلك في هذه الموسوعة، حيث لا تكاد تجد آية من القرآن إِلا ولمقاتل بن سليمان تفسير لها، بل إن بعض الآيات لم ينص على تفسيرها غيره.


(١) وردت آثار عن مقاتل أنه رحل إلى مكة والشام وغيرهما وأنه كان يجلس للمتعلمين ويطلب منهم أن يسألوه، ينظر: تهذيب الكمال ٢٨/ ٤٤٦ - ٤٤٨، سير أعلام النبلاء ٧/ ٢٠٢.
(٢) ينظر: تفسير أتباع التابعين: عرض ودراسة ص ١٧٦.
(٣) ينظر هذا المبحث بتوسع في: المرجع السابق ص ٣١٥ - ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>