للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سابعًا: زيادة الانحراف في التفسير:

تقدم أن في أواخر عهد الخلفاء الراشدين ظهرت الخوارج، وتلتهم الشيعة، ثم ظهرت القدرية في أواخر عهد صغار الصحابة، واستطار أمر تلك الفرق وتشعبت في هذا العصر، خصوصًا في العراق، ثم ظهرت المرجئة في أول هذا العصر، فعن قتادة، قال: "إنما حدث هذا الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث" (١). كذلك ظهرت الجهمية في آخره على يد الجهم بن صفوان الذي قتل عام ١٢٨ هـ. كذلك ظهرت المعتزلة على يد واصل بن عطاء (ت: ١٣١ هـ) وعمرو بن عبيد (ت: ١٤٤ هـ) البصريين، وقد استفحل أمرها في أواخر عصر أتباع التابعين، وامتحن السلف بسببها، كما سيأتي بيانه.

أما أثر تلك الفرق في تفسير التابعين فيظهر في جانبين:

الجانب الأول: تصدي أئمة التابعين لتلك العقائد والرد عليها من خلال تفسير الآيات وتقرير العقيدة الصحيحة أثناءه، وسيأتي مزيد بيان لذلك في العوامل التاريخية المؤثرة في التفسير.

الجانب الثاني: تأثر بعض أواسط التابعين وصغارهم بشيء من تلك العقائد أو رميه بها، مما كان له بعض الأثر في مدى قبوله (٢)، ولعل من أشهر هؤلاء من كبار مفسري التابعين من يلي:

١ - عكرمة مولى ابن عباس (ت: ١٠٥ هـ): قال الذهبي: "تُكلم فيه لرأيه لا لحفظه، فاتهم برأي الخوارج" (٣)، وشاع ذلك عنه وأورده عدد من كبار الأئمة، وربما كان لهذه التهمة الأثر السلبي في نقل تفسيره وقلة آثاره نسبيًّا ممارنة بمجاهد، مع أنهما أكثر أصحاب ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ملازمة له، وفي المقابل برأه أئمة كبار، وسيأتي مزيد


= والتابعين لا سيما تلاميذه كمجاهد وسعيد بن جبير والضحاك بعد أن قال: "قد تعرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة والتابعون بشيء من هذا النوع". وينظر جملة من ذلك عن التابعين في: تفسير التابعين ٢/ ١٠٣٨ - ١٠٤٤.
(١) شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة ٥/ ١٠٧٤.
(٢) أما أعلام كبار التابعين فلا تكاد تجد أحدًا ممن يُرمى بشيء من تلك البدع؛ وسيأتي في طبقة أتباع التابعين من كبار مفسريهم من اتغ شيئًا من تلك العقائد، مما استلزم رد تفاسيرهم عند أغلب نقلة التفسير المأثور، كل ذلك يدل على مدى زيادة خط الانحراف العقدي في عصر التابعين ومن بعدهم واستفحاله كلما تقدم الزمان.
(٣) ميزان الاعتدال ٣/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>