ورجَّح ابنُ جرير (٩/ ٣٨١ - ٣٨٢) مستندًا إلى دلالة السياق، والتاريخ، والعقل عود الضمير في قوله تعالى: {ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ} إلى نوح، وعلَّل ذلك قائلًا: «أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- ذَكَر في سياق الآيات التي تتلو هذه الآية لوطًا، فقال: {وإسْماعِيلَ واليَسَعَ ويُونُسَ ولُوطًا وكِلا فَضَّلْنا عَلى العالَمِينَ}، ومعلومٌ أنّ لوطًا لم يكن من ذرية إبراهيم، فإذ كان ذلك كذلك، وكان معطوفًا على أسماء مَن سَمَّيْنا مِن ذريته؛ كان لا شك أنه لو أُرِيد بالذرية ذرية إبراهيم لما دخل يونس ولوطٌ فيهم، ولا شكَّ أن لوطًا ليس من ذرية إبراهيم، ولكنه من ذرية نوح، فلذلك وجب أن تكون الهاء في الذرية من ذكر نوح». ووافقه ابنُ عطية (٣/ ٤٠٩) قائلًا: «وهذا هو الجيِّد». وذكر ابنُ كثير (٦/ ١٠٧) أنّ هذا القول ظاهر لا إشكال فيه، ثم بيَّن أن القول بعود الضمير على إبراهيم - عليه السلام - حسن؛ لكون الكلام سيق من أجله، ووجَّهه من جهة النظائر بما يدفع الإشكال عنه من كون لوط - عليه السلام - ليس من ذرية إبراهيم - عليه السلام -، فقال: «اللهم إلا أن يقال: إنّه دخل في الذُرِّيَّة تغليبًا، كما في قوله تعالى: {أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ إلَهًا واحِدًا ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [البقرة: ١٣٣]، فإسماعيل عمُّه، ودخل في آبائه تغليبًا. وكما قال في قوله: {فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أجْمَعُونَ * إلا إبْلِيسَ} [الحجر: ٣٠ - ٣١]، فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود، وذُمَّ على المخالفة؛ لأنه كان قد تشبه بهم، فعومل معاملتهم، ودخل معهم تغليبًا، وكان من الجن، وطبيعتهم النار، والملائكة من النور».