وقد رجّح ابنُ جرير (١٦/ ٨١ - ٨٢) مستندًا إلى الدلالة العقلية القول الأول، وانتقد ما عداه، فقال: «لأنه -جلَّ ثناؤه- أخبر أنه أعطى كلَّ شيء خلقه، ولا يُعْطى المعطى نفسَه، بل إنما يعطى ما هو غيره؛ لأنّ العطية تقتضي المعطي والمعطى والعطية، ولا تكون العطية هي المُعْطى، وإذا لم تكن هي هو، وكانت غيره، وكانت صورة كل خلق بعض أجزائه؛ كان معلومًا أنه إذا قيل: أعطى الإنسان صورته إنما يعني: أنه أعطى بعض المعاني التي به مع غيره دعي إنسانًا، فكأن قائله قال: أعطى كل خلق نفسه. وليس ذلك إذا وُجِّه إليه الكلام بالمعروف من معاني العطية، وإن كان قد يحتمله الكلام. فإذا كان ذلك كذلك فالأصوب مِن معانيه أن يكون مُوَجَّهًا إلى أن كل شيء أعطاه ربه مثل خلقه، فزوجه به، ثم هداه لما بينا». ورجّح ابنُ عطية (٦/ ٩٩) القول الثاني مستندًا إلى العموم، ودلالة العقل بقوله: «وهذا القولُ أشرفُ معنًى، وأعمُّ في الموجودات». وأما ابنُ القيم فقد رجّح (٢/ ١٨١ بتصرف) القول الثالث مستندًا إلى النظائر، فقال: «وقال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه. وهذا هو القول الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين؛ فيكون نظير قوله: {قَدَّرَ فَهَدى} [الأعلى: ٣]».