للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المطلب الثالث المراد بالسلف]

السلف في اللغة: كل من سبقك.

وأما في الاصطلاح هنا، فيمكن أن نحددهم من خلال دليلين:

الأول: الحديث النبوي الوارد في تفضيل القرون في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته"، فقرن: الصحابة، والذين يلونهم التابعون، والذين يلونهم أتباع التابعين.

وانطلاقًا من هذا الحديث ذهب كثير من العلماء إلى تحديد مصطلح السلف الخَيِّر الصالح بجيل الصحابة والتابعين وأتباعهم (١).


(١) الحديث رواه البخاري في الصحيح في كتاب المناقب برقم (٣٦٥١)، باب فضل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومسلم في الصحيح في كتاب فضائل الصحابة برقم (٢٥٣٣). قال ابن حجر في فتح الباري في شرحه لحد ألفاظ الحديث: "قوله: "خير أمتي قرني"؛ أي: أهل قرني، والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويقال: إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل، ويطلق القرن على مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين لكن لم أر من صرح بالسبعين ولا بمائة وعشرة، وما عدا ذلك فقد قال به قائل. . . وقد وقع في حديث عبد اللَّه بن بسر عند مسلم ما يدل على أن القرن مائة وهو المشهور، وقال صاحب المطالع: القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد. . . ولم يذكر صاحب "المحكم" الخمسين وذكر من عشر إلى سبعين، ثم قال: هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن، وهذا أعدل الأقوال وبه صرح ابن الأعرابي وقال: إنه مأخوذ من الأقران، ويمكن أن يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة ممن قال: إن القرن أربعون فصاعدًا، أما من قال: إنه دون ذلك فلا يلتئم على هذا القول والله أعلم. والمراد بقرن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث الصحابة. . . وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم- فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعًا وتسعين، وأما قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم؛ فإن اعتبر منها كان نحوًا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان واللَّه أعلم. واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرًا شديدًا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن. =

<<  <  ج: ص:  >  >>