أمّا ابنُ عطية (٥/ ٥١٤ - ٥١٥) فرأى أنّ تكريم بني آدم وتفضيله إنما كان بالعقل، واسْتَدْرَكَ على غير ذلك من الأقوال، فقال: «حكى الطبري عن جماعة أنهم قالوا: التفضيل هو أن يأكل بيديه، وسائر الحيوان بالفم. وقال غيره: وأن ينظر مِن إشرافٍ أكثر من كل حيوان، ويمشي قائمًا. ونحو هذا من التفضيل ... وهذا كله غير محذق، وذلك أن للحيوان من هذا النوع ما كان يفضل به ابن آدم؛ كجري الفرس وسمعه وإبصاره، وقوة الفيل، وشجاعة الأسد، وكرم الديك، وإنما التكريم والتفضيل بالعقل الذي يملك به الحيوانَ كله، وبه يعرف الله - عز وجل -، ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه». وجمع ابنُ كثير (٩/ ٤٤) بين تلك الأقوال، فقال: «يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها، كقوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [التين: ٤]، أي: يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع، ويأكل بفمه، وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كله، وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصَّها ومضارَّها في الأمور الدينية والدنيوية». وبنحوه قال ابنُ القيم (٢/ ١٤٤).