للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذا الحديث فوائد مهمة متعلقة بهذا المبحث، من ذلك:

١ - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا يتفهمون ما نزل من القرآن بمقتضى لغتهم، ويُعملون أذهانهم في معرفة معناه، ولم ينكر عليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، مما يدل على أن التفسير الاجتهادي (بالرأي) وجد منذ ذلك العهد (١).

٢ - أن هناك تدارس لآيات القرآن كان يقع بين الصحابة، فإن أشكل عليهم رجعوا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما احتاجوا إليه (٢).

٣ - أن تلك المدارسات قد تكون منذ العهد المكي، فسورتا الأنعام ولقمان من السور المكية (٣).

ومع هذا فتبقى مثل تلك الآيات التي أشكلت على الصحابة قليلة؛ مقارنة بما فهموه من تلقاء أنفسهم، ومن هنا كانت الآيات التي فسرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تفسيرًا صريحًا قليلة، والأحاديث النبوية في التفسير الصريح المباشر معدودة (٤)، ولو تتبعت المقبول من تلك الأحاديث فهو قليل جدًّا، وبالتالي لا يسلم لك من الآيات التي فسرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تفسيرًا صريحًا إلا القليل المعدود (٥). واللَّه أعلم

* أنواع التفسير النبوي:

تبيَّن لنا مما سبق أنه لم تكن هناك حاجة لأن يفسر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كل آيات القرآن وألفاظه؛ لوضوح عموم معانيه غالبًا إلا ما أشكل على الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وهو ما يوصف بالتفسير الصريح.

إلا أن هناك جزءًا آخر من تفسير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للقرآن، وهو المتمثل في سُنَّته القولية والفعلية والتقريرية، فهي في عمومها تفسر القرآن، وهو ما يسمى بالتفسير غير


(١) ينظر: شرح مقدمة في أصول التفسير، للدكتور مساعد الطيار ص ٤٣.
(٢) ينظر: المرجع السابق، نفس الصفحة.
(٣) وقد وردت آثار تؤكد تدارس الصحابة للقرآن آنذاك، كحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "كنا إذا تعلمنا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر آياتٍ من القرآن لم نتعلم العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيها"، وقصة إسلام عمر، واجتماع المسلمين بدار الأرقم. ينظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه ص ٤٨.
(٤) وقد جَمَعت هذه الموسوعة أحاديث التفسير النبوي الصريح وشبه الصريح؛ المكرر منها وغير المكرر، والصحيح والضعيف والمنكر والمرسل والمقطوع بل والموضوع فبلغت (٢٤٧٥) حديثًا، فسّرت (٩٥٣) آية فقط من مجموع آي القرآن البالغ (٦٢٣٦)؛ أي: ما نسبته حوالي ١٥ % من آي القرآن.
(٥) مع ملاحظة أن أغلب هذه الآثار تفسير جزئي للآية وليس لكل الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>