الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فَتَتَباين كثير من الآراء المعاصرة في قضية نقد مرويات التفسير والمغازي بين من يرى التساهل في التعامل معها، ومن يرى التشدد في ذلك؛ ويحشد كل فريق لتقرير رأيه من آراء النقاد وتطبيقاتهم ما يقوي قوله، بلا تحرير في الغالب لمعنى التشدد أو التساهل، وبلا بيان في الغالب لدرجات ومناطات التشدد أو التساهل.
بل وصل الأمر عند البعض إلى تصوير القضية بأن فيها منهجين متغايرين؛ منهج يعتمد التشدد في التعامل مع المرويات وهو منهج المحدِّثين بحسب تصورهم، ومنهج يعتمد التساهل مع المرويات وهو منهج المفسرين بحسب تصورهم، وتلا ذلك تطبيقات عملية منطلقة من المنهج الذي يعتقد كل فريق من المعاصرين صحته، من مثل تجريد كتب التفسير وغيرها من الآثار الضعيفة وإخراج صحيح التفسير، وتناول أسانيد كتب التفسير وغيرها بالحكم على كل إسناد من أسانيدها وبيان اتصاله أو انقطاعه، أو من دعوات معاكسة ترى ضرورة التساهل مع تلك المرويات وإغضاء الطرف عنها.
والبحث إذ يشير لهذا التباين وذلك الاختلاف بين بعض المعاصرين = يقرر كذلك أن ليس ثمة اختلاف في تلك القضية، وأن بعض صور الاختلاف المدَّعى فيها بين بعض المعاصرين لم تؤثر على ذات القضية، ولم يكن له واقع لا في تنظيرات السابقين ولا تطبيقاتهم، وأن منشأ الاختلاف الجديد فيها راجع إلى إشكالات متعددة؛ من أبرزها: عدم استحضار الصورة الكاملة لمنهج المحدثين في التعامل مع كافة المرويات، والاكتفاء بالنظر إلى بعض جزئياته دون بعض، وتعميم بعض إطلاقات الأئمة في بعض الرواة أو المرويات على كافتها، وتقزيم المنهج الممتد الأرجاء في الدراسة الظاهرية للإسناد، وقلة الخبرة بمسالك النقاد ونفوذ بصائرهم إلى الدقائق والخفايا.
والبحث إذ يعالج تلك القضية؛ فمن الضروري بيانه أن بعض منطلقاته خارجة عن