للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حدود ذلك الاختلاف، وأن محاكمة تلك المنطلقات لذلك الاختلاف المُحْدَث خروج به عن مساره وعدول به عن هدفه.

ذلك أن البحث وإن كان المقصود منه منذ البداية بيان منهجية التعامل مع مرويات التفسير، وبهذا التوجه بدأ؛ فإنه كشف عن أن منهج المحدثين في التعامل مع كافة المرويات منهج واحد لا تختلف كلياته الكبرى ومحاوره الكلية، ولكن تختلف آلياته وإجراءاته ومستويات تطبيقه وتنزيله من علم إلى علم؛ وهذا الاختلاف في مستويات التطبيق والتنزيل هو أمارة دقة المنهج وتكامله، وإن الزعم بأنه منهج واحد حتى في مستويات التنزيل والتطبيق والآليات والإجراءات زعم باطل، إذ فيه عدول تام عن المنهج، وغفلة تامة عن تمام إدراكه، وقصور ضخم في تصوره بَلْه تطبيقه وإعماله، ولذا سيكون مثار تعجب البعض أثناء تناول قضية ثبوت الأخبار خاصة = أن مرويات التفسير لم يكن لها -من وجهة نظرهم- ذلك البروز الذي يتناسب مع كون البحث منعقد لأجلها، وأن البحث يغرِّد بعيدًا عنها، وحقيقة الأمر بخلاف ذلك؛ وإنما مرد ذلك إلى أن فقه منهج ثبوت الأخبار هو الأصل والميزان الذي مَنْ ضَبَطَهُ ضبط كل ما تحته من قضايا ومسائل؛ ذلك أن من المشكلات البحثية الكبرى أن يسلط نظر البحث على جزئيات المسائل ويغفل بحث الكليات الكبرى والأطر المفصلية التي تقوم الجزئيات لخدمتها وتحقيقها.

إن منهج المحدّثين منهج متكامل؛ وليس من الصواب ادعاء الانفصام بينه وبين المرويات المتعلقة بالتفسير والمغازي والفضائل وخروجها عن إطاره وشروطه، وليس من الصواب كذلك إجراؤه على نمط واحد مع كافة المرويات المرتبطة به والداخلة تحت نطاقه، وتعميم إطلاقات نُقَّاده وأحكامهم على كافة المرويات دون التنبه لمواطن تلك الإطلاقات وسياقاتها، ولا لكيفيات تنزيلها؛ ذلك أن حال الناقد البصير بالمنهج مع الرواية كحال الطبيب الحاذق الذي يختلف توصيفه للمرض الواحد باختلاف الأشخاص واختلاف البلدان واختلاف الأحوال، واختلاف درجة المرض قوة وضعفًا؛ بل ربما اختلاف التوصيف للشخص الواحد من وقت إلى وقت ومن حال إلى حال؛ وإنما الصواب في ذلك كله إعماله وفق منهجيته الدقيقة التى تنساب مع كل رواية بحسبها وتتعامل معها بميزان دقيق يناسبها.

وقد تأملت تلك القضية فظهر لي أن معاقد الخطأ في تناولها راجعة إلى عدة أمور؛ أهمها:

<<  <  ج: ص:  >  >>