[المبحث الثالث تطبيقات المنهج عند المفسرين المحررين]
كان المفسرون من أهل التحرير والنظر على استحضار كامل لكل ما سبقت الإشارة إليه ولما هو أكثر منه، وجمعت نظرتهم بين تكاملية المنهج الحديثي وبين موضوع التفسير وغرضه وغايته؛ بل حكموا معاييره في بعض النطاقات الخاصة بعلم التفسير.
وإن المطالع لكتب هؤلاء المفسرين الجامعين بين المعرفة بالتفسير والحديث، سيجد أنهم لم يخرجوا عن الإطار العام والأسس الكلية الكبرى لمنهج المحدثين في نقد الأخبار والآثار المروية، وما سنذكره هنا إنما هو الظاهر من منهجهم؛ وأما ما خفي ودق فيبصره أهل الصبر على تلك المصنفات الراغبين في استكشاف مناهج أئمتها، وقد سبقت الإشارة إلى بعض معالمه الكلية في هذا البحث، وقد تتبعت صنيع الطبري وابن عطية وابن كثير خاصة؛ فظهر لي أن منهجهم في نقد مرويات التفسير يدور حول ما يلي:
١ - اشتراط ثبوت التفسير المروي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند إرادة الاحتجاج بكونه تفسيرًا نبويًّا؛ إِذْ التفسير النبوي حجة على ما عداه، فإن لم يثبت وكان تفسير الآية بمقتضاه صحيحًا لم يكن ذلك مانعًا من تفسير الآية به، لكن لا على كونه تفسيرًا نبويًّا؛ بل على كونه معنى صحيحًا في الآية، فقد يكون الحديث ضعيفًا لكن معناه مفسر للآية وصادق عليها ومناسب لها، وقد نصَّ الزركشي على ضرورة التثبت من صحة المروي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في التفسير فقال:"واعلم أن القرآن قسمان: أحدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد، والأول ثلاثة أنواع: إما أن يرد التفسير عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو عن الصحابة، أو عن رؤوس التابعين؛ فالأول يبحث فيه عن صحة السند. . . "(١).