للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} " (١).

فهذا السبب صريح في السببية، وقد ورد عن ابن عباس (ت: ٦٨ هـ)، وجمع من التابعين وأتباعهم، وقد ورد تفسير آخر يحمل المعنى على المجاز، قال أبو عبيدة (ت: ٢١٠ هـ): "أي: اطلبوا البر من أهله ووجهه، ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين" (٢).

وهذا المعنى الذي ذكره أبو عبيدة محتمل لولا ورود هذا السبب الذي يقطع بأن المراد بالبيوت البيوت المسكونة، وأن المعنى متعلق بعادة من عادات بعض العرب في إحرامها للحج، فلا يصار إلى غيره مما لا يحتمله النص مع هذه السببية.

ولا تخلو رواية التابعي أو تابع التابعي لأسباب النزول الصريحة من حالين:

الأولى: أن يذكر الإسناد إلى الصحابي.

الثانية: أن تكون رواية التابعي مرسلة، ورواية تابع التابعي مقطوعة لا يذكرون فيها الصحابي، وهذا كثير عندهم في هذا الباب.

ومن أمثلة ذلك ما رواه الطبري عن مجاهد، قال: "كانوا يسافرون ولا يتزودون، فنزلت: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] " (٣).

وما كان من قبيل المرسل أو المقطوع في النوعين السابقين فإنه لا يقبل إذا كان فردًا، أما إذا تعددت طرقها فإنها تدل على وجود أصل صحيح للمروي، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ): "والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدًا أو الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعًا، فإن النقل إما أن يكون صدقًا مطابقًا للخبر، وإما أن يكون كذبًا تعمد صاحبه الكذب، أو أخطأ فيه، فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقًا بلا ريب" (٤).

ثالثًا: ما يرويه التابعون عن الصحابة:

وحكمه حكم تفسير الصحابي، إلا أنه بالنسبة للراوي من قبيل المنقول، وإن كان بالنسبة لقائله رأي.


(١) رواه البخاري في الصحيح: كتاب التفسير، باب {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: ١٨٩]، برقم (٤٥١٢).
(٢) مجاز القرآن، لأبي عبيدة معمر بن المثنى ١/ ٦٨.
(٣) تفسير الطبري ٣/ ٤٩٦.
(٤) مقدمة في التفسير ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>