للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: "أن تدعو لله ندًّا، وهو خلقك". قال: ثم أي؟

قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قال: ثم أي؟

قال: "ثم أن تزاني بحليلة جارك".

فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- تصديقها: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} الآية [الفرقان: ٦٨] " (١).

فعبارة: (فأنزل اللَّه) التي قالها ابن مسعود لا يريد بها سبب النزول المباشر، وذلك ظاهر من النص.

٢ - وما روى مسلم (ت: ٢٦١ هـ) عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب، قال: "نزلت هذه الآية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها ما شاء اللَّه، ثم نسخها اللَّه، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨].

فقال رجل -كان جالسًا عند شقيق- له: هي إذن صلاة العصر.

فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها اللَّه، واللَّه أعلم" (٢).

وليست عبارة (فنزلت) مما يراد به سبب النزول كما هو ظاهر من خلال النص؛ لأن المراد ذكر نزول الآية الناسخة، وليس بيان أن سبب نزول الآية الناسخة هو نزول الآية التي نسخت.

وبهذا تعلم أنه ليس هناك عبارات يمكن أن يجزم بها على الإطلاق؛ لأن الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم يتسامحون في إطلاق مثل هذه العبارات.

وسبب النزول الصريح يبنى عليه التفسير، ولا تجوز مخالفته، بل يكون دليلًا على بطلان التفسير الذي يخالف ما دل عليه السبب، ومن أمثلة ذلك ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩]، فقد ورد عن البراء، قال: "كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل اللَّه: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا


(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الديات، باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣]، برقم (٦٨٦١).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم (٦٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>