للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علم؟ قال: بلى، قال ابن عباس: فإن الذي تسأل عنه ليس محفوظًا في الكتب، ولا محفوظًا عن الرسل، فقام الرجل وهو يقول: لقد جمع اللَّه لي علم الدنيا والآخرة، فانصرف شاكرًا (١).

بل ورد عن ابن عباس ما يدل على استيائه أحيانًا من هذه الأسئلة المتعنتة، فعن القاسم بن محمد أن رجلًا جاء إلى ابن عباس فسأله عن الأنفال، فقال ابن عباس: كان الرجل ينفل الفرس وسرجه، فأعاد عليه، فقال مثل ذلك، ثم أعاد عليه، فقال مثل ذلك، فقال ابن عباس: تدرون ما مثل هذا؟ هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر -رضي اللَّه عنه-، أما لو عاش عمر لما سأل أحد عما لا يعنيه (٢).

سابعًا: تورع البعض عن التفسير:

مع توسع ابن عباس في التفسير وتشجيعه لتلاميذه في الاجتهاد فيه فإننا نجد في هذا العصر من انتهج عكس ذلك، خصوصًا أهل الكوفة أصحاب ابن مسعود، قال إبراهيم النخعي (٩٦ هـ)، عنهم: "كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه". وقد رويت عنهم روايات تدل على ذلك، فهذا مسروق بن الأجدع (ت: ٦٣ هـ) يقول: "اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن اللَّه"، ولما سأل ابنُ سيرين (١١٠ هـ) عبيدَةَ السلماني (٧٢ هـ) عن آية قال له: "عليك بالسَّداد فقد ذهب الذين علموا فيما أُنزل القرآن"، ولهذا عُرف عن كبار التابعين في طبقة الكوفيين قلة الروايات التفسيرية عنهم، ولعل للفتن التي دارت حولهم أثرًا في ذلك، إضافة إلى تقدم وفاتهم ونشوئهم في وقت مبكر والصحابة متوافرون بحيث لم يُحتج إلى علمهم، كذلك كان لتربية ابن مسعود لهم على العناية بالآثار والتقليل من الآراء أثر في ذلك.

وهذا التوقف عن التفسير والتحرج عن الخوض فيه لا يعني أنهم لا يفهمون معاني القرآن، وإنما هو مسلك خاص سلكوه تورعًا منهم، مع قيام غيرهم به فكأنهم قد كفوا ذلك الأمر، ولهم أسوة ببعض الصحابة في هذا المسلك (٣).

وقد جاء من تلاميذهم من أواسط التابعين من سلك مسلكهم كالشعبي وإبراهيم النخعي، وتبعهم على هذا المسلك بعض كبار التابعين في المدينة كسعيد بن


(١) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة ١/ ٢/ ٤٢١ - ٤٢٢/ ٣٤٥.
(٢) الإبانة ١/ ٤١٧/ ٣٣٣، والموطأ ٢/ ٤٥٥/ ١٩.
(٣) ينظر: شرح: د. مساعد الطيار لمقدمة ابن تيمية في أصول التفسير ص ٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>