على وجه الأرض، ويعرف كم مساحة بُعده من وجه الأرض، فإذا دلهم عليه أمر سليمان -عليه السلام- الجان فحفروا له ذلك المكان حتى يستنبط الماء من قراره، فنزل سليمان -عليه السلام- بفلاة من الأرض، فتفقد الطير ليرى الهدهد، فلم يره، فقال:{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}. فسمع ذلك رجل من الخوارج، يقال له (نافع بن الأزرق)، وكان كثير الاعتراض على ابن عباس، فقال له: قف يا ابن عباس، غُلبت اليوم، قال: ولم؟ قال: إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض، وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ، ويحثو على الفخ ترابًا، فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ، فيصيده الصبي. فقال ابن عباس: لولا أن يذهب هذا فيقول: رددت على ابن عباس، لما أجبته! فقال له: ويحك، إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر، فقال له نافع: واللَّه لا أجادلك في شيء من القرآن أبدًا (١).
وعن أبي اليقظان قال: خرج رجل من أسلاف المسلمين يطلب علم السماء، ومبتدأ الأشياء، ومجاري القضاء، وموقع القدر المجلوب، وما قد احتجبه اللَّه -عزَّ وجلَّ- من علم الغيوب، التي لم ينزل الكتاب بها، ولم تتسع العقول لها. وما طلبه حتى انتهى إلى بحر العلوم ومعدن الفقه وينبوع الحكمة عبد اللَّه بن العباس -رحمه اللَّه-، فلما انتهى بالأمر الذي ارتحله إليه وأقدمه عليه قال له: اقرأ آية الكرسي، فلما بلغ:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}. قال: أمسك يا ابن أخي فقد بلغت ما تريد، فقد أنبأك اللَّه أنه لا يحاط بشيء من علمه، قال له الرجل: يرحمك اللَّه إن اللَّه قد استثنى، فقال:{إِلَّا بِمَا شَاءَ}، فقال عبد اللَّه: صدقت؛ ولكن أخبرني عن الأمر الذي استثناه من علمه وشاء أن يظهره لخلقه أين يوجد ومن أين يعلم؟ قال: لا يوجد إلا في وحي، ولا يعلم إلا من نبي، قال: فأخبرني عن الذي لا يوجد في حديث مأثور ولا كتاب مسطور أليس هو الذي نبأ اللَّه لا يدركه عقل ولا يحيط به
(١) تفسير ابن كثير ٦/ ١٩٥. وخبر نافع هذا في سؤالاته لابن عباس عن غريب القرآن طالبًا الشواهد من لغة العرب وإجابة ابن عباس له مستشهدًا بالشعر؛ خبر مشهور، بل ذكر الحافظ ابن حجر أنه هو السائل في الحديث الذي رواه البخاري (٨/ ٧١٣ - ٧١٤) قائلًا لابن عباس: "إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ، قال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: ١٠١]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: ٢٧] , {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: ٤٢]، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣]، فقد كتموا في هذه الآية. . . الحديث، قال ابن حجر: "كان هذا الرجل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج، وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه". فتح الباري ٨/ ٧١٦.