للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأما ما ردَّه أهل العلم مع اتصال سنده؛ فذلك مرجعه إلى عدم اكتمال شروط الصحة فيه، وهو أظهر من أن يمثَّل عليه دفعًا للإطالة.

وأما ما جعل الأئمة له حكم المتصل مع انقطاع سنده فمرده إلى تثبت النقاد من انتفاء الخطأ عن الرواية المنقطعة الإسناد، وأنه رغم انقطاعها إلا أنها احتفت بها قرائن دفعت الخطأ المظنون من قبل انقطاع سندها كمعرفة الواسطة أو اختصاص الراوي. . . إلخ؛ فقد تخفف عن الرواية المنقطعة وصفها بالصحة لتخلف شرط الاتصال، ففارقت الصحيح من هذه الجهة واشتركت معه في انتفاء الخطأ عنها، فجعل لها حكم المتصل من تلك الجهة.

قال أبو داود في رسالته: "وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلّس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل، وهو مثل الحسن عن جابر، والحسن عن أبي هريرة، والحكم عن مقسم" (١). فقوله: "على معنى أنه متصل" صريح جدًّا في كون بعض المنقطعات تُمْنَح حكم المتصل.

يقول د. إبراهيم اللاحم: "الانقطاع ليس على درجة واحدة، بل هو متفاوت جدًّا، فإذا عرف هذا لم يكن مستغربًا أن نجد في "الصحيح" ما صورته الانقطاع واحتف به ما يجعله في حكم المتصل" (٢).

وعلى هذا المسلك جرى النقاد في كثير من تطبيقاتهم مع المنقطعات التي يحتف بها من القرائن ما يدفع الريبة والخطأ المخوف من قبل انقطاعها؛ فمن ذلك مثلًا: رواية أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه، قال ابن تيمية: ". . . ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه؛ لكن هو عالم بحال أبيه متلق لآثاره من أكابر أصحاب أبيه وهذه حال متكررة من عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- فتكون مشهورة عند أصحابه فيكثر المتحدث بها، ولم يكن في أصحاب عبد اللَّه من يتهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه وإن قيل: إنه لم يسمع من أبيه" (٣).

وقال ابن رجب: "قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث


(١) رسالة أبي داود ص ٣٠.
(٢) الاتصال والانقطاع ص ٤٣٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٦/ ٤٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>