للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بل نص ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) على خطأ من لا ينقل عن بعض السلف ما يراه قد أخطأ فيه، وذكر أن: "الصواب ذكر أقوال السلف وإن كان فيها ضعيف؛ فالحجة تبين ضعفه، فلا يعدل عن ذكر أقوالهم" (١)، وهذا من مقتضى العدل والإنصاف.

وقد تميز ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) بجمع واستيعاب أقوال السلف في تفسير الآيات، بل نص على ذلك في مقدمة تفسيره، فقال: "ونحن في شرح تأويله، وبيان ما فيه من معانيه: منشئون -إن شاء اللَّه ذلك- كتابًا مستوعبًا لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه جامعًا، ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافيًا، ومخبرون في كل ذلك بما انتهى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه الأمة، واختلافها فيما اختلفت فيه منه" (٢).

وصار تفسير ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) بذلك مصدرًا متقدمًا معتمدًا لدى من بعده من العلماء في معرفة ما ورد عن السلف في معنى الآية، قال ابن حجر (ت: ٨٥٢ هـ): "الذين اعتنوا بجمع التفسير من طبقة الأئمة الستة: أبو جعفر بن جرير الطبري، ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي، ومن طبقة شيوخهم: عبد بن حميد بن نصر الكشي. فهذه التفاسير الأربعة قلَّ أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين. وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها، كاستيعاب القراءات والإعراب والكلام في أكثر الآيات على المعاني والتصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض، وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه؛ لأنه في هذه الأمور في مرتبة متقاربة، وغيره يغلب عليه فن من الفنون فيمتاز فيه ويقصر في غيره" (٣).

وقد قام منهج الأئمة الأربعة بعد ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) على ذلك المنهج في استيعاب أقوال السلف في الآيات، وهذا ظاهر في تفسير ابن عطية (ت: ٥٤١ هـ)، ومما يشير إلى ذلك قوله في مقدمة تفسيره مبينًا منهجه: "وأثبت أقوال العلماء في المعاني منسوبةً إليهم على ما تلقى السلف الصالح -رضوان اللَّه عليهم- كتاب اللَّه من مقاصده العربية، السليمة من إلحاد أهل القول بالرموز، وأهل القول بعلم الباطن، وغيرهم" (٤)، قال ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ): "إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السُّنَّة


(١) مجموع الفتاوى ١٤/ ٤٨.
(٢) جامع البيان ١/ ٧.
(٣) العجاب في بيان الأسباب ١/ ٢٠٢.
(٤) المحرر الوجيز ١/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>