للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحوال النزول: من صحة الاستدلال بها لتمام بيان المعنى، وتعيين المراد، وإزالة الشبه والإشكالات يقال مثله في الإسرائيليات، بل أكثر؛ وذلك لمزيد عناية الشريعة بهذا النوع من الأخبار، وقد تجلت تلك العناية في صور؛ منها: بيان الموقف العام من أقوالهم وأخبارهم، وقد جاء ذلك نصًّا في قوله تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: ٤٦].

ثم: الإذن لهذه الأمة في أن تحدث عن بني إسرائيل، وقد جاء ذلك صريحًا في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (١)، قال مالك بن أنس (ت: ١٧٩ هـ): "المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا" (٢)، وقال الشافعي (ت: ٢٠٤ هـ): "المعنى: حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم" (٣).

مع إرشاد الأمة إلى الموقف مما لا تعلم صدقه أو كذبه من أخبارهم، وذلك في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا باللَّه ورسوله. فإن كان باطلًا لم تصدقوه، وإن كان حقًا لم تكذبوه" (٤)؛ فأباح بذلك الانتفاع بهذا النوع من الأخبار على غير سبيل القطع والجزم.

فكل هذا يدل على مزيد عناية الريعة بهذا الباب من الأخبار؛ حيث أحاطت ما ينقل منها بضوابط تحفظ ما فيها من الحق، وتحتاط له، وتبطل ما فيها من الباطل، في غاية من العدل والإنصاف، مع الانتفاع بما لا يعلم كذبه منها.

ومن أمثلة استناد الأئمة الخمسة إلى الإسرائيليات ما في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران: ٩٣]، حيث رجح ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) وابن عطية (ت: ٥٤١ هـ) أن ذلك تحريم إسرائيل العروق ولحوم الإبل على نفسه، استنادًا إلى الإسرائيليات، وتاريخ اليهود وواقعهم، فقال ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ): "وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول ابن عباس الذي رواه الأعمش، عن حبيب، عن سعيد عنه: أن ذلك: العروق ولحوم الإبل.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه ٤/ ١٧٠ (٣٤٦١).
(٢) فتح الباري ٦/ ٥٧٥.
(٣) المرجع السابق. وينظر: أحكام القرآن، لابن العربي ٣/ ٣٤٧.
(٤) أخرجه أبو داود في سننه ٤/ ٢٣٨ (٣٦٤٤)، وعبد الرزاق في مصنفه ٦/ ١١٠ (١٠١٦٠)، وأحمد في مسنده ٢٨/ ٤٦٠ (١٧٢٢٥)، وإسناده حسن. وله شاهد مختصر عند البخاري في صحيحه ٦/ ٢٠ (٤٤٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>