للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال عمر: للَّه تلادك (١) يا ابن عباس" (٢).

ومشهور ما وقع لابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في مجلس عمر -رضي اللَّه عنه- مع أشياخ بدر (٣).

ومثله أيضًا لدى عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- مع طلابه، فعن مسروق، قال: "كان عبد اللَّه يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها، ويفسرها عامة النهار" (٤).

وأشهر من عُرف بتلك المجالس ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، حيث اعتنى بطلابه اعتناءً بالغًا، وتفرغ لهم تفرغًا تامًّا، وميَّزهم بمنهج تعليمي فذٍّ، يبث فيهم روح الثقة، ويشجعهم للتصدي للإفتاء والتفسير، فهذا أبو الجوزاء (ت: ٨٤ هـ) يقول: "جاورت ابن عباس في داره اثنتي عشرة سنة ما في القرآن آية الا وقد سألته عنها". وقال مجاهد (ت: ١٠٢ هـ): "عرضت المصحف على ابن عباس، ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفته عند كل آية منه، وأسأله عنها" (٥)، وقال عكرمة (ت: ١٠٥ هـ): "كان ابن عباس يجعل الكبل في رجلي على تعليم القرآن والفقه" (٦)، وقال عطاء بن أبي رباح (ت: ١١٤ هـ): "ما رأيت مجلسًا قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقهًا وأعظم جفنة منه، إن عنده أصحاب القرآن يسألونه، وعنده أصحاب الشعر يسألونه، وعنده أصحاب النحو يسألونه، كلهم يصدر في واد واسع" (٧)، ومن هنا نجد تميز تلاميذه بالتوسع في التفسير رواية ودراية أكثر من غيرهم (٨).

وهكذا الأمر أيضًا لدى التابعين، فلا شك أن تلك الثروة الضخمة من تفسيرهم -وهم أكثر طبقات السلف تفسيرًا- لم ينقله تلاميذهم إِلَّا عبر تلك المجالس العلمية، خصوصًا المكثرين منهم ممن اختص بتلاميذ يتفرغون لنقل تفسيره كمجاهد وقتادة والسدي.

وكذا كان أتباعهم من بعدهم، وقد تقدم في معالم تفسير التابعين ملامح من تلك المجالس العلمية العامرة.


(١) في مطبوعة الشيخ شاكر ٤/ ٢٤٥: للَّه بلادك. وعقَّب على ذلك بقوله: في المطبوعة: "للَّه تلادك" بالتاء في أوله، ولا معنى له، والصواب ما أثبت. وفي الدر المنثور: "للَّه دَرُّك". والعرب تقول: "للَّه درُّ فلان، وللَّه بلاده".
(٢) أخرجه ابن جرير ٣/ ٥٨٨ - ٥٨٩.
(٣) أخرجه البخاري ٤٢٩٤، وينظر أمثلة أخرى في: تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [البقرة: ٢٦٦]، وقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: ٣٣].
(٤) أخرجه ابن جرير ١/ ٨٥.
(٥) أخرجه ابن جرير ١/ ٧٥.
(٦) المعرفة والتاريخ ١/ ٥٢٧.
(٧) المعرفة والتاريخ ١/ ٥٢٠.
(٨) ينظر: تفسير التابعين ١/ ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>