وبنحوه ابنُ القيم (٢/ ٢٠٢ - ٢٠٣)، وزاد: «وهذا الإيراد الذي أورده ابن الزِّبَعْرى لا يرِد على الآية؛ فإنه سبحانه قال: {إنكم وما تعبدون من دون الله}، ولم يقل: ومن تعبدون، و {ما} لما لا يعقل، فلا يدخل فيها الملائكة والمسيح وعزير، وإنما ذلك للأحجار ونحوها التي لا تعقل، وأيضًا فإن مَن عبد هؤلاء بزعمه فإنه لم يعبدهم في الحقيقة، فإنهم لم يدعوا إلى عبادتهم، وإنما عبد المشركون الشياطين، وتوهموا أن العبادة لهؤلاء، فإنهم عبدوا بزعمهم مَن ادعى أنه معبود مع الله، وأنه معه إله، وقد برأ الله سبحانه ملائكته والمسيح وعزيرًا من ذلك، وإنّما ادعى ذلك الشياطين، وهم بزعمهم يعتقدون أنهم يرضون بأن يكونوا معبودين مع الله، ولا يرضى بذلك إلا الشياطين؛ ولهذا قال سبحانه: {ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: ٤٠ - ٤١] ... ». وعلّق ابنُ كثير (٩/ ٤٥٢) على هذا القول، فقال: «وهذا الذي قاله ابن الزِّبَعْرى خطأ كبير؛ لأن الآية إنما نزلت خطابًا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها؛ ولهذا قال: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم}، فكيف يُورَد على هذا المسيح والعزير ونحوهما ممن له عمل صالح، ولم يرض بعبادة من عبده».