واختُلِف في معنى النصر؛ فقال قوم: الغلبة. وقال آخرون: الرزق. واختُلف في المراد بالسماء؛ فقال قوم: سقف البيت ونحوه. وقال آخرون: السماء المعروفة، والمراد: فليمدد بحبل إليها فليقطع عن محمد ما يأتيه منها من الوحي. ورجَّح ابنُ جرير (١٦/ ٤٨٣ - ٤٨٤) مستندًا إلى السياق القولَ بعود الضمير على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ السماء: سقف البيت ونحوه، وأن النصر: الرزق، فقال: «وذلك أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- ذَكَر قومًا يعبدونه على حرف، وأنهم يطمئنون بالدين إن أصابوا خيرًا في عبادتهم إياه، وأنهم يرتدون عن دينهم لشدة تصيبهم فيها، ثم أتبع ذلك هذه الآية، فمعلوم أنّه إنما أتبعه إياها توبيخًا لهم على ارتدادهم عن الدين، أو على شكهم فيه نفاقًا، استبطاءً منهم السعة في العيش، أو السبوغ في الرزق. وإذا كان الواجب أن يكون ذلك عقيب الخبر عن نفاقهم؛ فمعنى الكلام إذن إذ كان ذلك كذلك: مَن كان يحسب أن لن يرزق الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأمته في الدنيا، فيوسع عليهم من فضله فيها، ويرزقهم في الآخرة من سني عطاياه وكرامته، استبطاء منه فعل الله ذلك به وبهم، فليمدد بحبل إلى سماء فوقه، إما سقف بيت أو غيره، مما يعلق به السبب مِن فوقه، ثم يختنق إذا اغتاظ من بعض ما قضى الله فاستعجل انكشاف ذلك عنه، فلينظر: هل يذهبن كيده اختناقه كذلك ما يغيظ؟! فإن لم يذهب ذلك غيظَه حتى يأتي الله بالفرج من عنده فيذهبه، فكذلك استعجاله نصر الله محمدًا ودينه لن يؤخر ما قضى الله له من ذلك عن ميقاته، ولا يعجل قبل حينه». ورجَّح ابنُ عطية (٦/ ٢٢٤) أن النصر الغلبة استنادًا إلى المعنى الأشهر في اللغة. ورجَّح ابنُ كثير (١٠/ ٢٣) مستندًا إلى الدلالة العقلية القولَ بأن السماء هي سقف البيت ونحوه، فقال: «وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى، وأبلغ في التهكم؛ فإن المعنى: من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة. قال الله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} [غافر: ٥١ - ٥٢]، ولهذا قال: {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}». وبنحوه ابنُ عطية (٦/ ٢٢٤).