ورجَّح ابنُ جرير (١٦/ ٤٩٣) وابنُ عطية (٦/ ٢٢٨) استنادًا إلى السياق القول الثالث، وهو قول مجاهد، والحسن من طريق أبي قزعة، وعطاء، وابن جريج، وعلَّل ابنُ جرير ذلك بقوله: «لأنه -تعالى ذِكْرُه- ذَكَر قبل ذلك صنفين من خلقه: أحدهما: أهل طاعةٍ له بالسجود له. والآخر: أهل معصيةٍ له، قد حَقَّ عليه العذاب، فقال: {ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَواتِ ومَن فِي الأَرْضِ والشَّمْسُ والقَمَرُ}، ثم قال: {وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذابُ}، ثم أتْبَع ذلك صفة الصنفين كليهما وما هو فاعلٌ بهما، فقال: {فالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِن نارٍ}، وقال الله: {إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأَنْهارُ}، فكان بيِّنًا بذلك أنّ ما بين ذلك خبرٌ عنهما». ثم وجه قول أبي ذرٍّ بنزولها في الذين بارزوا يوم بدر بأن «ذلك -إن شاء الله- كما روي عنه، ولكن الآية قد تنزل بسبب من الأسباب ثم تكون عامَّةً في كل ما كان نظير ذلك السبب، وهذه مِن تلك، وذلك أن الذين تبارزوا إنما كان أحد الفريقين أهل شركٍ وكفرٍ بالله، والآخر أهل إيمان بالله وطاعة له، فكل كافر في حكم فريق الشرك منهما في أنه لأهل الإيمان خَصْمٌ، وكذلك كل مؤمن في حكم فريق الإيمان منهما في أنه لأهل الشرك خَصْمٌ». ووافقهما ابنُ كثير (١٠/ ٣٠)، وعلَّق على القول الثالث بأنه «يشمل الأقوال كلها، وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها؛ فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان، وخذلان الحق، وظهور الباطل». وذكر ابنُ عطية (٦/ ٢٢٨) أن قوله تعالى: {اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ} «معناه: في شأن ربهم وصفاته وتوحيده». وذكر احتمالًا آخر، فقال: «ويحتمل أن يريد: في رضى ربهم، وفي ذاته».