وذكر ابنُ القيم (٢/ ٢١٦) أنّ هناك من قال بمكية السورة؛ لأن الإذن بالقتال كان بمكة. وانتقده (٢/ ٢١٦ - ٢١٧) مستندًا إلى الواقع، والسياق، وأحوال النزول، فقال: «وهذا غلط لوجوه: أحدها: أن الله لم يأذن بمكة لهم في القتال، ولا كان لهم شوكة يَتَمَكَّنون بها من القتال بمكة. الثاني: أنّ سياق الآية يدُلُّ على أنّ الإذن بعد الهجرة، وإخراجهم من ديارهم، فإنه قال: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله}، وهؤلاء هم المهاجرون. الثالث: قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [الحج: ١٩] نزلت في الذين تَبارزوا يوم بدر من الفريقين. الرابع: أنه قد خاطبهم في آخرها بقوله: {يا أيها الذين آمنوا}، والخطاب بذلك كله مدني، فأما الخطاب بـ {يا أيها الناس} فمشترك. الخامس: أنه أمر فيها بالجهاد الذي يعم الجهاد باليد وغيره، ولا ريب أنّ الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة، فأما جهاد الحجة فأمر به في مكة بقوله: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به} [الفرقان: ٥٢]، أي: بالقرآن جهادًا كبيرًا، فهذه سورة مكية، والجهاد فيها هو التبليغ وجهاد الحجة، وأما الجهاد المأمور به في سورة الحج فيدخل فيه الجهاد بالسيف. السادس: أن الحاكم روى في مستدركه من حديث الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيَّهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن. فأنزل الله - عز وجل -: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}. وهي أول آية نزلت في القتال. وإسناده على شرط الصحيحين. وسياق السورة يدل على أن فيها المكي والمدني؛ فإن قصة إلقاء الشيطان في أمنية الرسول مكية».