للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيِّدُكم؟!». قالوا: يا رسول الله، لا تُلْمُه؛ فإنّه رجل غيور، واللهِ، ما تزوَّج امرأةً قطُّ إلا بِكْرًا، وما طلَّق امرأةً له قطُّ فاجترأ رجلٌ مِنّا على أن يتزوجها مِن شدة غيرته. فقال سعد: واللهِ، يا رسول الله، إنِّي لأعلم أنها حقُّ، وأنّها من الله، ولكني تعجبتُ أنِّي لو وجدت لَكاعًا (١) قد تَفَخَّذها رجلٌ لم يكن لي أن أهيجه ولا أُحَرِّكه حتى آتي بأربعة شهداء! فواللهِ، لا آتي بهم حتى يقضي حاجتَه. قال: فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء مِن أرضه عِشاءً، فوجد عند أهله رجلًا، فرأى بعينه، وسمع بأذنيه، فلم يُهِجْه حتى أصبح، فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني جئتُ أهلي عِشاءً، فوجدت عندها رجلًا، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني. فكَرِه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به، واشْتَدَّ عليه، واجتمعت الأنصار، فقالوا: قد ابتُلِينا بما قال سعدُ بن عبادة، الآن يضرب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هلالَ بنَ أمية، وتَبْطُل شهادتُه في المسلمين. فقال هلال: واللهِ، إنِّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجًا. فقال: يا رسول الله، إنِّي قد أرى ما اشْتَدَّ عليك مِمّا جئت بهُ، واللهُ يعلمُ أنّي لَصادق. فواللهِ، إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحيُ، وكان إذا نزل عليه الوحيُ عرفوا ذلك في تَرَبُّد (٢) جلده، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي، فنزلت: {والذين يرمون أزواجهم} الآية، فسُرِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أبشِرْ، يا هلال، قد جعل الله لك فرجًا ومخرجًا». فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربِّي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أرسلوا إليها». فجاءت، فتلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهما، وذكَّرهما، وأخبرهما أنّ عذاب الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا، فقال هلال: واللهِ، يا رسول الله، لقد صدقتُ عليها. فقالت: كَذَب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لاعِنوا بينهما». فقيل لهلال: اشهد. فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كان في الخامسة قيل لهلال: اتَّقِ الله، فإنّ عذاب الدنيا أهونُ مِن عذاب الآخرة، وإنّ هذه المُوجِبَة التي تُوجِب عليك العذاب. فقال: واللهِ، لا يُعَذِّبني اللهُ عليها كما لم يجلدني عليها. فشهد في الخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان مِن الكاذبين، ثم قيل لها: اشهدي. فشهدتْ أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت في الخامسة


(١) اللُّكَع عند العرب: العَبد، ثم اسْتُعمِل في الحُمق والذَّم. يقال للرجُل: لُكَعُ، ولِلْمَرْأَةِ لَكاعِ. النهاية (لكع).
(٢) تَرَبّد وجهه: أي تغَيَّرَ إلى الغُبرة. النهابة (ربد).

<<  <  ج: ص:  >  >>