للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي كنت أرى منه حين أشتكى، إنّما يدخل عَلَيَّ، فيُسَلِّم، ثم يقول: «كيف تيكم؟». ثم ينصرف، فذاك الذي يَرِيبُني، ولا أشعر بالشرِّ حتى خرجت بعدما نَقَهْتُ (١)، وخرجت معي أمُّ مِسْطَح قِبَل المناصِع (٢)، وهي مُتَبَرَّزُنا، وكُنّا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتَّخِذ الكُنُف قريبًا مِن بيوتنا، وأَمْرُنا أمْرُ العربِ الأول في التَّبَرُّز قبل الغائط؛ فكُنّا نتأذى بالكُنُف أن نتَّخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمُّ مِسْطَح، فأقبلتُ أنا وأمُّ مسطح قِبَل بيتي قد فرغنا مِن شأننا، فعَثَرَت أمُّ مِسْطَح في مِرْطها (٣)، فقالت: تَعِس مِسْطَحُ. فقلتُ لها: بِئْسَ ما قلتِ، أتسبين رجلًا شهد بدرًا؟! قالت: أيْ هَنَتاهُ، أوَلَمْ تسمعي ما قال؟ قلتُ: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددتُ مرضًا على مرضي، فلمّا رجعتُ إلى بيتي دَخَل عَلَيَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فسَلَّم، ثم قال: «كيف تيكم؟». فقلتُ: أتأذن لي أن آتي أبَوَيَّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر مِن قِبَلِهما. قالت: فأذِنَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فجئتُ أبَوَيَّ، فقلتُ لأمي: يا أُمَّتاهُ، ما يتحدثُ الناسُ؟ قالت: يا بُنَيَّةُ، هَوِّني عليكِ، فواللهِ، لقَلَّما كانتِ امرأةٌ قَطُّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضَرائِرُ إلّا أكْثَرْن عليها. فقلت: سبحان الله، ولقد تحدث الناسُ بهذا؟! فبكيتُ تلك الليلةَ حتى أصبحتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحتُ أبكي. ودعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بن أبي طالب وأسامةَ بن زيد حين اسْتَلْبَثَ الوحيُ، يَسْتَأْمِرُهما في فراق أهله، فأمّا أسامةُ فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالَّذي يعلم مِن براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه مِن الوُدِّ، فقال: يا رسول الله، أهلُك، ولا نعلم إلا خيرًا. وأما عليُّ بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يُضَيِّق اللهُ عليك، والنساءُ سواها كثيرٌ، وإن تسأل الجاريةَ تصدُقْكَ. فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ، فقال: «أيْ بريرةُ، هل رأيتِ شيئًا يَريبُكِ؟». قالت بريرةُ: لا، والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرًا أغْمِصُه أكثرَ مِن أنّها جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ، تنامُ عن عجين أهلها، فتأتي الدِّاجِنُ فتأكله. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاسْتَعْذَرَ يومئذٍ مِن عبد الله بن أُبَيٍّ، فقال وهو على المنبر: «يا معشرَ المسلمين، مَن يعذرني مِن رجل بلغني أذاهُ في أهل بيتي؟ فواللهِ، ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمتُ عليه إلا خيرًا، وما


(١) نَقَهْتُ -بفتح القاف وقد تُكسر، والأول أشهر-: نَقِهَ المريضُ إذا برأ وأفاق، وكان قريب العهد بالمرض ولم يرجع إليه كمالُ صحَّتِه وقُوَّته. النهاية (نقه)، وفتح الباري لابن حجر ٨/ ٤٦٥.
(٢) المناصِع: موضع خارج المدينة كنّ النساء يتبرزن فيه ليلًا. معجم البلدان ٥/ ٢٠٢.
(٣) المِرْط: كساء للنساء من الصُّوف أو الخزِّ أو غيرهما. النهاية (مرط).

<<  <  ج: ص:  >  >>