للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقراءة على ظهر القلب، ولا يقرؤونها في الكتب (١) [٣٣١]. (ز)

٢٥٦٧ - قال محمد بن السائب الكلبي: {إلا أماني} إلاّ ما تحدّثهم بهم علماؤهم (٢) [٣٣٢]. (ز)

٢٥٦٨ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- في قوله: {إلا أماني}، قال: تَمَنَّوْا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم (٣) [٣٣٣]. (ز)


[٣٣١] علَّق ابنُ عطية (١/ ٢٦٣) على هذا القول، فقال: "وقال آخرون: هي من تَمَنّى: إذا تلا، ومنه قوله تعالى: {إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢]، ومنه قول الشاعر:
تمنّى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
فمعنى الآية: أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى، لا علم لهم بصحته".
[٣٣٢] علَّق ابنُ تيمية (١/ ٢٤٨ - ٢٤٩) على قول أبي روق وقول الكلبي بقوله: «ففي هذا القول -قول أبي روق- جعل الأماني التي هي التلاوة: تلاوة الأميين أنفسهم. وفي ذلك -قول الكلبي- جعل الأماني: ما يسمعونه من تلاوة علمائهم. وكلا القولين حق، والآية تعمهما؛ فإنه? قال: {لا يعلمون الكتاب}، لم يقل: لا يقرءون ولا يسمعون. ثم قال: {إلا أماني}، وهذا استثناء منقطع، لكن يعلمون أماني؛ إما بقراءتهم لها، وإما بسماعهم قراءة غيرهم. وإن جعل الاستثناء متصلًا كان التقدير: لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني، لا علم تلاوة فقط بلا فهم».
[٣٣٣] أفادت الآثار اختلاف المفسرين في معنى {أماني} على ثلاثة أقوال: الأول: الأكاذيب. الثاني: التشهي، وتمني ما ليس لهم. الثالث: التلاوة.
وقد رجَّح ابنُ جرير (٢/ ١٥٧ - ١٦٠) مستندًا إلى اللغة، والسّياق القول الأول، وهو قول ابن عباس من طريق الضحاك، وقول مجاهد من طريق بن أبي نَجِيح، وانتَقَدَ القول الثاني والثالث، وعلَّل ذلك بأن قوله تعالى: {وإن هم إلا يظنون} أفاد أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ظنًّا منهم لا يقينًا، وذلك يدل على ضعف تفسير الأماني بالتشهي أو التلاوة؛ لأنه لو كان معنى ذلك: أنهم يتلونه، لم يكونوا ظانين؛ لأنه لا يقال لمن تلا كتابًا: هو ظان لما يتلو، إلا أن يكون شاكًّا في نفس ما يتلوه، لا يدري أحق هو أم باطل، ولم يقع من اليهود التالين للتوراة شك في كون التوراة من عند الله، وكذلك لو كان معناه: يشتهونه، لم يكونوا ظانين؛ لأن المتشهي يتمنى ما حصل له العلم به، وما قد وجدت عينه، فغيرُ جائز أن يقال: هو شاكٌّ فيما هو به عالم؛ لأنّ العلم والشكَّ معنيان متنافيان لا يجتمعان، وكذلك فالمتشهي في حال تمنيه موجود تمنيه، فغير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه. ثم وجّه ابن جرير الاستثناء في قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} بأنه استثناء منقطع؛ لكون الأماني من غير نوع الكتاب، ونظير ذلك قوله تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} [النساء: ١٥٧]، والظن من العلم بمعزل، وبيَّن أن معنى الآية -بناءً على كون الاستثناء منقطعًا- هو: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب، لكن أماني، يعني: لكنهم يتمنون.
ورجَّح ابنُ تيمية (١/ ٢٥٢ - ٢٥٤) القول بأنها التلاوة، وانتَقَدَ القولين الآخرين مستندًا إلى اللغة، والسّياق، فقال: «وقوله: {إلّا أمانِيَّ} أي: تِلاوة، فهم لا يعلمون فِقْهَ الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم، والأمانيُّ: جمع أمْنِيَّة، وهي: التلاوة، ومنه: قوله تعالى: {وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: ٥٢]». ثم حكى القولين الآخرين، ثم قال: «كلا القولين ضعيف، والصواب الأول؛ لأنه سبحانه قال: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}، وهذا الاستثناء إما أن يكون متصلًا أو منقطعًا، فإن كان متصلًا لم يجز استثناء الكذب ولا أماني القلب من الكتاب، وإن كان منقطعًا فالاستثناء المنقطع إنما يكون فيما كان نظير المذكور، وشبيهًا له من بعض الوجوه، فهو من جنسه الذي لم يذكر في اللفظ، ليس من جنس المذكور؛ ولهذا لا يصلح المنقطع حيث يصلح الاستثناء المفرغ، وذلك كقوله: {لا يذوقون فيها الموت} ثم قال: {إلا الموتة الأولى} [الدخان: ٥٦]، فهذا منقطع؛ لأنه يحسن أن يقال: لا يذوقون إلا الموتة الأولى، ... وقوله: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} [النساء: ١٥٧] يصلح أن يقال: وما لهم إلا اتباع الظن، فهنا لَمّا قال: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} يحسن أن يقال: لا يعلمونه إلا أماني، فإنهم يعلمونه تلاوة يقرءونها ويسمعونها، ولا يحسن أن يقال: لا يعلمون إلا ما تتمناه قلوبهم، أو لا يعلمون إلا الكذب، فإنهم قد كانوا يعلمون ما هو صدق أيضًا، فليس كل ما علموه من علمائهم كان كذبًا، بخلاف الذي لا يعقل معنى الكتاب، فإنه لا يعلم إلا تلاوة. وأيضًا فهذه الأماني الباطلة التي تمنوها بقلوبهم وقالوها بألسنتهم -كقوله تعالى: {تلك أمانيهم} - قد اشتركوا فيها كلهم، فلا يخص بالذم الأميون منهم، وليس لكونهم أميين مدخل في الذم بهذه، ولا لنفي العلم بالكتاب مدخل في الذم بهذه، بل الذم بهذه مما يعلم أنها باطل أعظم من ذم من لا يعلم أنها باطل؛ ولهذا لما ذم الله بها عَمَّم ولم يَخُصّ، فقال تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم} الآية [البقرة: ١١١]، وأيضًا فإنه قال: {وإن هم إلا يظنون} فدل على أنه ذمهم على نفي العلم، وعلى أنه ليس معهم إلا الظن، وهذا حال الجاهل بمعاني الكتاب، لا حال من يعلم أنه يكذب، فظهر أن هذا الصنف ليس هم الذين يقولون بأفواههم الكذب والباطل، ولو أريد ذلك لقيل: لا يقولون إلا أماني، لم يقل: لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل ذلك الصنف هم الذين يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه، ويلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويكتبون الكتاب بأيديهم ليشتروا به ثمنًا قليلًا، فهم يحرفون معاني الكتاب، وهم يحرفون لفظه لمن لم يعرفه، ويكذبون في لفظهم وخطهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>