[٤٦٦٢] اختلف السلف في تفسير قوله: {الله نور السموات والأرض}؛ فقال بعضهم: هادي السماوات والأرض. وقال آخرون: مُدَبِّر السماوات والأرض. وقال آخرون: ضياء السماوات والأرض. وقد رجّح ابنُ جرير (١٧/ ٢٩٧) مستندًا إلى السياق القول الأول، وعلَّل ذلك بقوله: «وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك لأنّه عقيب قوله: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} [النور: ٣٤]، فكان ذلك بأن يكون خبرًا عن موقع يقع تنزيله مِن خلقه، ومِن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه؛ أولى وأشبه، ما لم يأت ما يدل على انقضاء الخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام: ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس آيات مبيناتٍ الحقَّ مِن الباطل، {ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} فهديناكم بها، وبيَّنّا لكم معالم دينكم بها؛ لأني هادي أهل السماوات وأهل الأرض». وذكر ابنُ القيم (٢/ ٢٤١) في معنى الآية قول ابن مسعود، ثم علّق بقوله: «وهذا الذي قاله ابن مسعود? أقربُ إلى تفسير الآية مِن قول مَن فسَّرها بأنه هادي أهل السماوات والأرض. وأمّا من فسرها بأنه منور السماوات والأرض؛ فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود، والحق أنّه نور السماوات والأرض بهذه الاعتبارات كلها». وقال ابنُ عطية (٦/ ٣٨٤ - ٣٨٥): «النور في كلام العرب: الأضواء المدرَكة بالبصر. ويستعمل مجازًا فيما صحَّ من المعاني ولاح، فيقال: كلام له نور ... والله تعالى ليس كمثله شيء، فبيِّنٌ أنه ليس كالأضواء المدركة، ولم يبق للآية معنًى إلا أنه أراد: اللَّهُ ذو نُورِ السَّماواتِ والأَرْضِ، أي: بقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقريب للذهن، كما تقول: الملك نور الأمة، أي: به قوام أمورها وصلاح جملتها، والأمر في الملك مجاز، وهو في صفة الله تعالى حقيقة محضة؛ إذ هو الذي أبدع الموجودات، وخلق العقل نورًا هاديًا؛ لأن ظهور الوجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات، تبارك الله لا رب سواه. وقالت فرقة: التقدير: دين الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ. قال ابن عباس: هادي أهل السماوات والأرض. والأول أعمُّ للمعاني وأوضح مع التأمل». ومحصلة كلام ابن عطية باطل، والحق إثبات صفة النور لله - عز وجل - على ما يليق بجلاله وكماله وعظمته، وهو إجماع السلف من الصحابة والتابعين. ينظر: الشريعة ٣/ ١١٤٧ - ١١٧٧، والإبانة الكبرى ٣/ ٩١ - ١٣١، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٢/ ٤٥١ - ٤٨٠.