للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنّك قد صَبَوْت فتَبِعْت محمدًا، فقال: فعلتُ. قال: فوجهي مِن وجهك حرامٌ حتى تأتيه، فتتفل في وجهه، وتَتَبَرَّأ منه، فيعلم قومُك أنّك عدوٌّ لِمَن عاداهم، وفرَّق عليهم جماعتَهم. فأطاعه، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فتفل في وجهه، وتبَرَّأ منه، فاشتد ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأنزل الله - عز وجل - فيه يُخْبِر بما هو صائِر إليه مِن الندامة، وتَبَرُّئه مِن خليله أمية بن خلف، فقال: {ويوم يعض الظالم عل يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلًا}، والسبيل: الطاعة (١). (ز)

٥٤٦٨٦ - قال مقاتل بن سليمان: {ويوم يعض الظالم على يديه}، يعني: عُقبَة بن أبي مُعَيْط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف؛ وذلك أنّه كان يُكْثِر مجالسةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال له خليلُه -وهو أمية بن خلف الجمحي-: يا عقبة، ما أراك إلا قد صَبَأْتَ إلى حديث هذا الرجل. يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لم أفعل. فقال: وجهي مِن وجهك حرامٌ إن لم تتفُل في وجه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتبرأ منه؛ حتى يعلم قومُك وعشيرتُك أنّك غير مُفارِق لهم. ففعل ذلك عقبةُ؛ فأنزل الله - عز وجل - في عقبة بن أبي معيط: {ويوم يعض الظالم على يديه} الآيات ... فقتلَ [أميةَ] النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، وقتل عقبةَ عاصمُ بن أبي الأقلح الأنصاري صبرًا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُقتَل مِن الأسرى يوم بدر من قريش غيره، والنضر بن الحارث ... ونزل فيهما: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو} [الزخرف: ٦٧] (٢). (ز)

٥٤٦٨٧ - قال يحيى بن سلّام: قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} أُبَيّ بن خلف (٣) [٤٧٢٥]. (ز)


[٤٧٢٥] اختُلِف في نزول الآية؛ فقيل بنزولها في عقبة وأُبّي، وقيل في عقبة وأمية.
ورجَّح ابنُ عطية (٦/ ٤٣٥) القول الأول مستندًا إلى أحوال النزول، فقال: «ويشبه أنّ سبب الآية وترتُّب هذا المعنى كان عقبة وأبيًّا». ووجَّه الألف واللام في {الرسول} بأنها للعهد والإشارة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وانتقد القولَ بإدخال أمية بن خلف في هذه الآية، فقال: «ومَن أدخل في هذه الآية أمية بن خلف فقد وهِم، إلا على قول من يرى {الظّالِم} اسمَ جنس». وهو قول مجاهد، وأبي رجاء. ثم علَّق (٦/ ٤٣٥) مستظهرًا أنها اسم جنس مُبَيّنًا العموم في الظالم، فقال: «ويظهر أن {الظّالِم} عامٌّ، وأنّ مقصد الآية تعظيم يوم يتبرأ فيه الخِلّان مِن خِلّانهم الذين أمروهم بالظلم، فلما كان خليل كل ظالم غير خليل الآخر، وكان كل ظالم يسمي رجلًا خاصًّا به عَبَّر عن ذلك بـ» فلان «الذي فيه الشياع التام، ومعناه: واحد من الناس، وليس من ظالم إلا وله في دنياه خليل يُعِينه ويُحَرِّضه، هذا في الأغلب».
وكذا رجَّح ابنُ تيمية (٥/ ١٢) العموم.
وكذا رجَّحه ابنُ كثير (١٠/ ٣٠٢)، فقال: «وسواء كان نزولها في عقبة بن أبي معيط، أو في غيره مِن الأشقياء؛ فإنها عامة، كما قال تعالى: {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب: ٦٦ - ٦٨]، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلًا: {يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا} يعني: مَن صَرَفَه عن الهدى، وعَدَلَ به إلى طريق الضلالة مِن دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما».

<<  <  ج: ص:  >  >>