للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يخفى ما لهذه المصادر من المكانة العالية في تفسير كتاب اللَّه تعالى؛ فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو المبلِّغ عن ربه عز وجل والمبين لكلامه كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]. فما بيَّنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا تجوز مخالفته. وأعلم الناس بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتفسير أصحابه -رضي اللَّه عنهم-؛ لأنهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن، وقد شهدوا التنزيل، وعرفوا أحواله، وعرفوا أحوال من نزل فيهم القرآن، مع حسن فهمهم، وسلامة قصدهم، ثم التابعون الذين تلقوا التفسير عن الصحابة، وكذلك أتباع التابعين الذين تتلمذوا على أيدي التابعين. وقد أثنى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصحابة والتابعين وأتباعهم بأنهم خير الناس، فتفسيرهم هو تفسير خير الناس، ومعرفته هي السبيل القويم للوصول إلى اللهم الصحيح لمراد ربنا عز وجل في كتابه الكريم.

ولذلك الأمر توجهت عناية الأمة إلى التفسير المأثور، ونهض لجمعه وتدوينه كثير من العلماء المتقدمين، كعبد الرزاق الصنعاني (ت: ٢١١)، وعَبْد بن حُمَيد (ت: ٢٤٩)، وابن جرير الطبري (ت: ٣١٠)، وابن المنذر (ت: ٣١٨)، وابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧)، وغيرهم، كما اعتنى به جمْعٌ من المتأخرين وجعلوه أساسًا لمدوناتهم ومنطلقًا لتفاسيرهم، كابن عطية (ت: ٥٤٣)، وابن كثير (ت: ٧٧٤)، رحمة اللَّه على الجميع.

وكان من أوسع من اعتنى بجمعه ومحاولة استيعابه الإمام السيوطي رحمه اللَّه (ت: ٩١١) في تفسيره "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" غير أن المتتبع لآثاره يجد أنه فاته الكثير من أقوال السلف (١)، ولحاجة طلاب العلم والباحثين إلى الوقوف على آثار التفسير مستوعبة في كتاب واحد؛ فقد سمت همَّة مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي لإكمال هذه المسيرة وجمع الجهود السابقة وتصنيفها وترتيبها في مؤَلَّف واحد، فجاءت هذه الموسوعة التفسيرية، والتي نرجو من اللَّه أن يسد بها هذه الثغرة العلمية المهمة.

وقد تحلَّت بإضافة مهمة تعين القارئ على الاستفادة القصوى منها، وهي تعليقات خمسة من أبرز أئمة التفسير المحققين على ما ورد في كتبهم من آثار السلف في التفسير بما يعين على فهم تلك الآثار وتوجيهها والترجيح بين المختلف منها.


(١) أحصينا ابتداء ما فات السيوطي من الآثار في تفسير سورة البقرة فبلغ مجموعه (٣٥٦٨) أثرًا، ثم أحصينا الزوائد عليه في تفسير جميع السور بعد انتهاء الموسوعة؛ فبلغت (٤٥١٤٣) أثرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>