وقد رجّح ابنُ جرير (١٧/ ٥٠١) مستندًا إلى الدلالة العقلية القول الثاني، فقال: «والصواب من القول في ذلك قولُ مَن قال: الإسراف في النفقة الذي عناه الله في هذا الموضع: ما جاوز الحدَّ الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه. والإقتار: ما قصر عما أمر الله به. والقوام: بين ذلك. وإنما قلنا إن ذلك كذلك لأنّ المسرف والمقتر كذلك، ولو كان الإسراف والإقتار في النفقة مرخصًا فيهما ما كانا مذمومين، ولا كان المسرف ولا المقتر مذمومًا؛ لأنّ ما أذن الله في فعله فغير مستحق فاعله الذم». وانتقد ابنُ عطية (٦/ ٤٥٧ - ٤٥٨ بتصرف) مستندًا إلى ظاهر الآية القول الأول، وقول مَن قال: الإسراف: أن تنفق مال غيرك، فقال: «هذه الأقوال غير مرتبطة بلفظ الآية، وخلط الطاعة والمعصية بالإسراف والتقتير فيه نظر. والوجه أن يُقال: إنّ النفقة في المعصية أمر قد حظرت الشريعة قليلَه وكثيرَه، وكذلك التعدِّي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون مُنَزَّهون عن ذلك». ثم رجّح أن «التأديب بهذه الآية هو في نفقة الطاعات وفي المباحات، فأدبُ الشرع فيها أن لا يُفَرِّط الإنسان حتى يضيع حقًّا آخر أو عيالًا ونحو هذا، وأن لا يضيق أيضًا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشُّحّ، والحسن في ذلك هو القوام، أي: المعتدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله وخِفَّة ظهره وصبره وجلده على الكسب أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوسطها».