وانتقد ابنُ جرير القول بكونه الإنجيل، وعلَّل ذلك بقوله: «وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال: الروح في هذا الموضع جبريل؛ لأن الله -جل ثناؤه- أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: {إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعَلى والِدَتِكَ إذْ أيَّدْتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وكَهْلا وإذْ عَلَّمْتُكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ والتَّوْراةَ والإنْجِيلَ} [المائدة: ١١٠]، فلو كان الروح الذي أيده الله به هو الإنجيل لكان قوله: {إذ أيدتك بروح القدس}، و {إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} تكريرُ قول لا معنى له، وذلك أنه على تأويل قول من قال: معنى {إذ أيدتك بروح القدس} إنما هو: إذ أيدتك بالإنجيل - وإذ علمتك الإنجيل. وهو لا يكون به مُؤَيَّدًا إلا وهو مُعَلَّمُه، فذلك تكرير كلام واحد، من غير زيادة معنى في أحدهما على الآخر».وأيَّده ابنُ عطية بقوله: «وهذا أصح الأقوال، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت: «اهج قريشًا وروح القدس معك». ومرة قال له: «وجبريل معك»». وذكر ابن تيمية هذا القول، وأيده بقوله: «ودليل هذا قوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون. قل نزله روح القدس من ربك بالحق} [النحل: ١٠١ - ١٠٢]». وفي سياق آخر قال: «فروح القدس الذي نزل بالقرآن من الله هو الروح الأمين، وهو جبريل، وثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لحسان بن ثابت: «أجب عني، اللهم أيده بروح القدس». وفي صحيح مسلم: «إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله». وفي الصحيحين: «اهجهم أو هاجهم وجبريل معك»». ورجَّحه ابنُ كثير ذاكرًا ما تقدم من أدلة، ثم زاد استدلالًا لذلك بقوله: «عن شَهْر بن حَوْشَب الأشعري: أن نفرًا من اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أخبرنا عن الروح. فقال: «أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟» قالوا: نعم ... وفي صحيح ابن حبان أظنه عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن روح القدس نفخ في روعي ... »».