وقد رجّح ابنُ جرير (١٧/ ٥٥٦) مستندًا إلى الدلالة العقلية القول الثاني، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ فرعون لم يكن مُقِرًّا لله بالربوبية، وإنما كان يزعم أنه هو الرب». ثم انتقد القول الأول، فقال: «فغير جائز أن يقول لموسى -إن كان موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل. على ما قاله السدي-: فعلت الفعلة وأنت من الكافرين، [و] الإيمان عنده: هو دينه الذي كان عليه موسى عنده». ثم وجّهه بقوله: «إلا أن يقول قائل: إنما أراد: وأنت من الكافرين يومئذ -يا موسى- على قولك اليوم، فيكون ذلك وجهًا يتوجه». وقال ابنُ عطية (٦/ ٤٧٤ - ٤٧٥): «وقوله: {وأَنْتَ مِنَ الكافِرِينَ} يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يريد: وقتلت القبطي وأَنتَ في قتلك إيّاه مِنَ الكافِرِينَ؛ إذ هو نفس لا يحل قتله. قاله الضحاك، أو يريد: وأنت من الكافرين بنعمتي في قتلك إياه. قاله ابن زيد. وهذان بمعنًى واحد في حق لفظ الكفر، وإنما اختلفا باشتراك لفظ الكفر. والثاني: أن يكون بمعنى الهزؤ؛ أي: وأنت على هذا الدين، وأنت من الكافرين بزعمك. قاله السدي. والثالث: هو قول الحسن، أن يريد: وأنت من الكافرين الآن، يعني فرعون: بالعقيدة التي يكون بيَّنها، فيكون الكلام مقطوعًا من قوله: {وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ}، وإنما هو إخبارٌ مبتدأٌ أنّه كان من الكافرين. وهذا التأويل أيضًا يحتمل أن يريد به: كفر النعمة».