وانتقد ابنُ تيمية (١/ ٢٧١ - ٢٧٣ بتصرف) القول بأن استفتاحهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إقسامهم به، مستندًا إلى مخالفته النقول الصحيحة المستفيضة، وعدم ذكرِ الكتبِ الجامعةِ لأقوالِ السّلفِ له، فقال: «كانت اليهود تقول للمشركين: سوف يبعث هذا النبي ونقاتلكم معه فنقتلكم. لم يكونوا يقسمون على الله بذاته ولا يسألون به، بل يقولون: اللهم، ابعث هذا النبي الأمي لنتبعه ونقتل هؤلاء معه. هذا هو النقل الثابت عند أهل التفسير، وعليه يدل القرآن؛ فإنه قال تعالى: {وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ}، والاستفتاح: الاستنصار، وهو طلب الفتح والنصر. فطلب الفتح والنصر به هو أن يُبعث فيقاتلونهم معه، فبهذا ينصرون، ليس هو بإقسامهم به وسؤالهم به، إذ لو كان كذلك لكانوا إذا سألوا أو أقسموا به نُصِرُوا، ولم يكن الأمر كذلك، بل لما بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نصر الله من آمن به وجاهد معه على من خالفه، وما ذكره بعض المفسرين من أنهم كانوا يقسمون به أو يسألون به فهو نقل شاذٌّ مُخالِف به للنقول الكثيرة المستفيضة المخالفة له». ثم ساق الآثار الواردة عن السلف في تفسير الاستفتاح بالاستنصار، ثم قال: «ولم يذكر ابن أبي حاتم وغيره ممن جمع كلام مفسري السلف إلا هذا، وهذا لم يُذكر فيه السؤال به عن أحد من السلف، بل ذكروا الإخبار به، أو سؤال الله أن يبعثه ... ولفظ الآية إنما فيه أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وهذا كقوله تعالى: {إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمْ الفَتْحُ} [الأنفال: ١٩]، والاستفتاح: طلب الفتح، وهو النصر. ومنه الحديث المأثور: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، أي: يستنصر بهم، أي: بدعائهم، كما قال: «وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم». بصلاتهم ودعائهم وإخلاصهم. وهذا قد يكون بأن يطلبوا من الله تعالى أن ينصرهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان، بأن يعجل بعث ذلك النبي إليهم لينتصروا به عليهم، لا لأنهم أقسموا على الله وسألوا به، ولهذا قال تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}، فلو لم ترد الآثار التي تدل على أن هذا معنى الآية لم يجُز لأحد أن يحمل الآية على ذلك المعنى المتنازع فيه بلا دليل؛ لأنه لا دلالة فيها عليه، فكيف وقد جاءت الآثار بذلك؟!».