ونسب ابنُ جرير (١٨/ ١٨ - ١٩) القول الثاني لبعض أهل اللغة، ورجح الأول، وانتقد الثاني مستندًا إلى اللغة، فقال: «والصواب مِن القول في قوله: {إلا من ظلم ثم بدل} عندي غيرُ ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم مِن أهل العربية، بل هو القول الذي قاله الحسن البصري وابن جريج ومَن قال قولهما، وهو أن قوله: {إلا من ظلم} استثناء صحيح مِن قوله: {لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم} منهم فأتى ذنبًا، فإنه خائف لديه مِن عقوبته. وقد بيَّن الحسن? معنى قيل الله لموسى ذلك، وهو قوله: قال: إني إنما أخفتك لقتلك النفس. فإن قال قائل: فما وجه قيله إن كان قوله: {إلا من ظلم} استثناء صحيحًا، وخارجًا مِن عِداد مَن لا يخاف لديه مِن المرسلين؟ وكيف يكون خائفًا مَن كان قد وعد الغفران والرحمة؟ قيل: إن قوله: {ثم بدل حسنا بعد سوء} كلام آخر بعد الأول، وقد تناهى الخبر عن الرسل من ظلم منهم، ومن لم يظلم عند قوله: {إلا من ظلم} ثم ابتدأ الخبر عمَّن ظلم مِن الرسل وسائر الناس غيرهم. وقيل: فمن ظلم ثم بدَّل حسنًا بعد سوء فإني له غفور رحيم. فإن قال قائل: فعلامَ تعطف -إن كان الأمر كما قلت- بـ {ثم} إن لم يكن عطفًا على قوله: {ظلم}؟ قيل: على متروك استغنى -بدلالة قوله: {ثم بدل حسنا بعد سوء} عليه- عن إظهاره، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره، وهو: فمن ظلم مِن الخلق. وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربية فقد قالوا على مذهب العربية، غير أنهم أغفلوا معنى الكلمة، وحملوها على غير وجهها من التأويل، وإنما ينبغي أن يُحمَل الكلام على وجهه مِن التأويل، ويلتمس له على ذلك الوجه للإعراب في الصحة مخرج، لا على إحالة الكلمة عن معناها ووجهها الصحيح من التأويل». وساق ابنُ عطية (٦/ ٥٢١) القول الأول، ثم علَّق بقوله: «وأجمع العلماء أنّ الأنبياء? معصومون من الكبائر، ومن الصغائر التي هي رذائل، واختُلِف فيما عدا هذا، فعسى أن يشير الحسن وابن جريج إلى ما عدا ذلك، وفي الآية -على هذا التأويل- حذفٌ اقتضى الإيجاز والفصاحة، ترك نصه، تقديره: فمن ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء». وذكر أنّ فرقة قالت: {إلا} بمعنى الواو. وانتقده بقوله: «وهذا قول لا وجه له».