وعلَّق ابنُ كثير (١٠/ ٤٥١) على القول الثالث بقوله: «وهذا هو المشهور عند كثيرين». ووجَّه ابنُ تيمية (٥/ ٧٣) قول مَن قال: إنه شعيب النبي - عليه السلام -. فقال: «وإنّما شبهة من ظن ذلك أنه وجد في القرآن قصة شعيب وإرساله إلى أهل مدين، ووجد في القرآن مجيء موسى إلى مدين ومصاهرته لهذا، فظن أنه هو». ورجَّح ابنُ جرير (١٨/ ٢٢٤) مستندًا إلى عدم وجود الدليل عدم القطع بأيِّ قول ٍمنها، وعلَّل ذلك بقوله: «وهذا مما لا يُدرَك علمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حُجَّتُه، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله -جلَّ ثناؤه-». وانتقد ابنُ كثير (١٠/ ٤٥٢ بتصرف) القول الثالث مستندًا إلى الدلالة العقلية، والإسرائيليات، وضعف إسناد الأحاديث المفيدة لذلك بأنّ «مِن المقوِّي لكونه ليس بشعيب أنّه لو كان إيّاه لأوشك أن ينصَّ على اسمه في القرآن هاهنا، وبأن ما جاء في بعض الأحاديث مِن التصريح بذكره في قصة موسى لم يصِحَّ إسناده، وبأن من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه: ثيرون». وانتقده ابنُ تيمية (٥/ ٧٣ بتصرف) مستندًا إلى الدلالة العقلية، وأقوال السلف، والإسرائيليات قائلًا: «فمَن جزم بأنه شعيب النبي فقد قال ما ليس له به علم، وما لم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن الصحابة، ولا عمَّن يحتج بقوله من علماء المسلمين، وخالف في ذلك ما ثبت عن ابن عباس من طريق أبي جمرة، والحسن البصري من طريق قرة بن خالد، مع مخالفته أيضًا لأهل الكتابين؛ فإنّهم مُتَّفِقون على أنه ليس هو شعيب النبي، فإنّ ما في التوراة التي عند اليهود والإنجيل الذي عند النصارى أن اسمه: يثرون، وليس لشعيب النبي عندهم ذكر في التوراة. وقد ذكر غير واحد من العلماء أنّ شعيبًا كان عربيًّا، بل قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وموسى كان عبرانيًّا؛ فلم يكن يعرف لسانه، وظاهر القرآن يدل على مخاطبة موسى للمرأتين وأبيهما بغير ترجمان. والقرآن يدل أن الله أهلك قوم شعيب بالظلة، فحينئذٍ لم يبق في مدين من قوم شعيب أحد، وشعيب لا يقيم بقرية ليس بها أحد، وقد ذكروا أنّ الأنبياء كانوا إذا هلكت أممهم ذهبوا إلى مكة فأقاموا بها إلى الموت، كما ذُكِر أن قبر شعيب بمكة، وكذلك غيره، وموسى لما جاء إلى مدين كانت معمورة بهذا الشيخ الذي صاهره، ولم يكن هؤلاء قوم شعيب المذكورين في القرآن ... ». ثم حكى خلافًا في عصا موسى مِن أن الذي أعطاه إياها هو: شعيب. وقيل: هذا الشيخ. وقيل: جبريل. ثم علّق بقوله: «كل ذلك لا يثبت». ونقل في نفس المعنى عن السُّدِّيّ أنه قال: «أمر أبو المرأتين ابنته أن يأتي موسى بعصا، وكانت تلك العصا عصا استودعها ملَك في صورة رجل إلى آخر القصة استودعه إياها ملك في صورة رجل، وأن حماه خاصمه، وحكما بينهما رجلًا، وأن موسى أطاق حملها دون حميه، وذكر عن موسى أنه أحق بالوفاء من حميه». ثم علَّق عليه في سياق انتقاده لقول مَن قال: إن الشيخ الكبير هو شعيب النبي - عليه السلام -. فقال: «ولو كان هذا هو شعيبًا النبي لم ينازع موسى، ولم يندم على إعطائه إياها، ولم يحاكمه، ولم يكن موسى قبل أن ينبأ أحق بالوفاء منه، فإن شعيبًا كان نبيًّا، وموسى لم يكن نبيًّا، فلم يكن موسى قبل أن ينبأ أكمل من نبي». وانتقد (٥/ ٧٤) القولَ الأول مستندًا إلى قول ابن عباس، فقال: «ومن قال: إنه كان ابن أخي شعيب، أو ابن عمه. لم ينقل ذلك عن ثبت، والنقل الثابت عن ابن عباس لا يُعارَض بمثل قول هؤلاء».