ورجَّحَ ابنُ جرير (١٨/ ٣٠٠ - ٣٠١ بتصرّف) الثاني مستندًا إلى لغة العرب، وقال: «فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفتَ مِن أن {ما} اسم منصوب بوقوع قوله: {يختار} عليها، فأين خبر كان؟ ... قيل: إنّ العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها أحيانًا أخبارًا، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها ... كقول القائل: كان عمرٌو أبوه قائمٌ. لاشكَّ أن» قائمًا «لو كان مكان الأب وكان الأب هو المتأخر بعده كان منصوبًا، فكذلك وجه رفع {الخيرة}، وهو خبر لـ {ما}». ورجَّحَ ابنُ كثير (١٠/ ٤٧٩ بتصرّف) الأولَ مستندًا إلى النظائر، والسياق، وأقوال السلف، فقال: «قوله: {ماكان لهم الخيرة} نفيٌ على أصح القولين، كقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذ اقضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: ٣٦]. [و] كما نقله ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره أيضًا، فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك؛ ولهذا قال: {سبحان الله وتعالى عما يشركون} أي: من الأصنام والأنداد، التي لا تخلق ولا تختار شيئًا». وبنحوه قال ابنُ القيم (٢/ ٢٩١). وذَهَبَ ابنُ عطية (٦/ ٦٠٦) إلى وجه ثالث، فقال: «ويتَّجه عندي أن يكون {ما} مفعولة، إذا قدَّرنا {كان} تامة، أي: أنّ الله تعالى يختار كل كائن، ولا يكون شيء إلا بإذنه، وقوله تعالى: {لهم الخيرة} جملة مستأنفة، معناها: تعديد النعمة عليهم في اختيار الله تعالى لهم لو قبلوا وفهموا». ولم يذكر مستندًا. وانتَقَدَ ابنُ جرير (١٨/ ٣٠١) القولَ الأولَ؛ لدلالة أقوال السلف، ولغة العرب، والعقل، فقال: «هذا قول لا يخفى فسادُه على ذي حِجًا مِن وجوهٍ، لو لم يكن بخلافه لأهل التأويل قولٌ، فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه؟!». ثم ذكر في أوجه فساد ذلك القول، ما ملخصه: ١ - أنّ مقتضى هذا القول نفي أن تكون لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية، دون المستقبل. لقوله: «ما لهم الخيرة»، ولم يقل: «ليس لهم الخيرة»؛ ليكون نفيًا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبل وفيما بعد. ٢ - أنه غير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: «ما كان لفلان الخيرة»، ولَمّا يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك. ٣ - أن معنى {الخيرة} في هذا الموضع: إنما هو «الخِيرَة»، وهو الشيء الذي يختار من البهائم، والأنعام، والرجال، والنساء، وليس بالاختيار. وانتَقَدَ ابنُ عطية (٦/ ٦٠٥) اختيار ابن جرير للقول الثاني، فقال: «اعتذر الطبري عن الرفع الذي أجمع القراء عليه في قوله تعالى: {ما كان لهم الخيرةُ} بأقوالٍ لا تتحصل، وقد ردَّ الناس عليه في ذلك». وقال ابنُ كثير (١٠/ ٤٧٩): «قد احتجَّ بهذا المسلك طائفةُ المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح».