ووجَّه ابنُ جرير (١٨/ ٣٢٦) قوله: {عندي} على القول الأول أنها بمعنى: أرى. كأنه قال: إنما أُعطِيت لفضل علمي فيما أرى. وبنحوه ابنُ عطية (٦/ ٦١٤). ورجَّح ابنُ كثير (١٠/ ٤٨٣ - ٤٨٤) القول الأول مستندًا إلى ظاهر سياق الآية، فقال: «والصحيح المعنى الأول؛ ولهذا قال الله تعالى رادًّا عليه فيما ادَّعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا} أي: قد كان من هو أكثر منه مالًا وما كان ذلك عن محبة مِنّا له، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم؛ ولهذا قال: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} أي: لكثرة ذنوبهم». وانتقد ابنُ تيمية (٥/ ٨٩) القول الثاني الذي قاله ابن المسيب مستندًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «وهذا باطِلٌ؛ فإنه لم يقله عالم معروف، وإنما يذكره مثل الثعلبي في تفسيره عمَّن لا يُسمى، وفي تفسير الثعلبي الغث والسمين؛ فإنه حاطب ليل، ولو كان مال قارون من الكيمياء لم يكن له بذلك اختصاص؛ فإن الذين عملوا الكيمياء خلق كثير لا يحصون، والله سبحانه قال: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة}، فأخبر أنه آتاه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة». وكذا انتقد ابنُ كثير القول الثاني مستندًا إلى دلالة القرآن، والسنة، والعقل، فقال: «وهذا القول ضعيف؛ لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل؛ لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله - عز وجل -، قال الله: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: ٧٣]، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يقول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة». وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل، فكيف بِمَن يدَّعي أنه يُحِيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى، هذا زور ومحال، وجهل وضلال. وإنما يقدرون على الصبغ في الصورة الظاهرة، وهو كذِب وزغل وتمويه، وترويجٌ أنه صحيح في نفس الأمر، وليس كذلك قطعًا لا محالة، ولم يثبت بطريق شرعيٍّ أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاناها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفّاكون، فأما ما يُجْريه اللهُ تعالى مِن خرق العوائد على يدي بعض الأولياء مِن قلب بعض الأعيان ذهبًا أو فضة أو نحو ذلك فهذا أمرٌ لا يُنكره مسلم، ولا يرُدُّه مؤمن، ولكن هذا ليس مِن قبيل الصناعات، وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسموات واختياره وفعله». وذكر ابنُ كثير قولًا ثالثًا: أنّ العلم الذي كان عند قارون هو علمه باسم الله الأعظم. وذكر ابنُ عطية (٦/ ٦١٤) قولين آخرين: أحدهما: أن العلم الذي كان عنده هو علم التجارات وتمييز الأموال. والآخر: علم التوراة وحفظها. ثم ذكر أنّ قوله تعالى: {أوَلَمْ يَعْلَمْ} يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه.