النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا} الآية، قال: نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقرُّوا بالإسلام، فكتب اليهم أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة لما نزلت آية الهجرة: إنه لا يُقْبَلُ منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا. قال: فخرجوا عامِدين إلى المدينة، فاتَّبَعهم المشركون، فرَدُّوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم: إنه قد أُنزِلَت فيكم آية كذا وكذا. فقالوا: نخرُجُ، فإن اتَّبَعَنا أحدٌ قاتلناه. فخرجوا، فاتَّبَعهم المشركون، فقاتَلوهم؛ فمنهم مَن قُتل، ومنهم مَن نجا؛ فأنزل اللهُ فيهم:{ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}[النحل: ١١٠](١). (١١/ ٥٢٧)
٥٩٥٠٩ - عن عبد الله بن عبيد بن عمير -من طريق ابن جريج- قال: نزلت في عمار بن ياسر، إذ كان يُعَذَّبُ في الله: {الم (١) أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا} الآية (٢). (١١/ ٥٢٨)
٥٩٥١٠ - قال ابن جريج: سمعت ابن عمير وغيرَه يقولون: كان أبو جهل يُعذِّبُ عمارَ بن ياسر وأمَّه، ويجعل على عمار دِرْعًا من حديد في اليوم الصائف، وطعن في حَياء (٣) أمه برمح؛ ففي ذلك نزلت: {الم (١) أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)} (٤). (١١/ ٥٢٩)
٥٩٥١١ - عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد بن بشير- في قوله: {الم (١) أحَسِبَ النّاسُ} الآية، قال: نزلت في أُناسٍ من أهل مكة، خرجوا يريدون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فعرَض لهم المشركون، فرجَعوا، فكتب إليهم إخوانُهم بما نزل فيهم من القرآن، فخرَجوا، فقُتل مَن قُتل، وخلَص مَن خلَص، فنزل القرآن:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت: ٦٩](٥)[٥٠١٩]. (١١/ ٥٢٨)
[٥٠١٩] أشار ابنُ عطية (٦/ ٦٢٣) إلى نحو ما جاء في قول قتادة، ثم علّق قائلًا: «وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب، وفي هذه الجماعة، فهي بمعناها باقية في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك، وإذا اعتبر أيضًا كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن، ولكن التي تشبه نازلة المؤمنين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر».