[٥٠٥٣] اختلف السلف في معنى الصلاة على قولين: الأول: أنها الصلاة المعروفة. الثاني: أنها قراءة القرآن. وقد رجّح ابنُ جرير (١٨/ ٤١٠) القول الأول مستندًا لأقوال السلف، فقال: «والصواب من القول في ذلك: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. كما قال ابن عباس، وابن مسعود». ثم بيّن ابنُ جرير كيفية نهي الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر، بأنها: «تنهى مَن كان فيها، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش؛ لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر، ولذلك قال ابن مسعود: من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدًا. وذلك أنّ طاعته لها إقامته إياها بحدودها، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر». وذكر ابنُ عطية (٦/ ٦٤٨ - ٦٤٩) قولًا آخر في كيفية نهي الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فقال: «وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجب من الخشوع والإخبات وتذكر الله تعالى وتوهم الوقوف بين يدي العظمة، وأن قلبه وإخلاصه مطلع عليهم رقوب؛ صلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، فاطرد ذلك في أقواله وأعماله، وانتهى عن الفحشاء والمنكر، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حاله، فهذا معنى هذا الإخبار؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون». ثم وجّه قول من قال من السلف: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدًا» فقال: «ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء لا خشوع فيها ولا تذكر ولا فضائل فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان على طريقه معاصٍ تبعده من الله تمادى على بعده، وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش قولهم:» من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدًا «. ثم قال:» سمعت أبي? يقوله، فإذا قررناه ونظرنا معناه فغير جائز أن نقول: إن نفس صلاة العاصي تبعده من الله حتى كأنها معصية، وإنما يتخرج ذلك على أنها لا تؤثر في تقريبه من الله تعالى، بل تتركه في حاله ومعاصيه من الفحشاء والمنكر تبعده، فلم تزده الصلاة إلا تقرير ذلك البعد الذي كان بسبيله، فكأنها بعدته حين لم تكف بعده عن الله تعالى".