للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٠٠٦٠ - قال مقاتل بن سليمان: {ولا تجادلوا} يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده {أهْلَ الكتاب} ألبتة؛ يعني: مؤمنيهم عبد الله بن سلام وأصحابه، {إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ} فيها تقديم، يقول: جادلهم؛ قل لهم بالقرآن، وأخبرهم عن القرآن. نَسَخَتْها آيةُ السيف في براءة، فقال تعالى: {قاتِلُواْ الذين لا يُؤْمِنُونَ بالله ولا باليوم الآخر} [التوبة: ٢٩] (١). (ز)

٦٠٠٦١ - عن سفيان بن حسين -من طريق عباد بن العوام- في قوله: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، قال: التي هي أحسن {وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}، فهذه مجادلتهم بالتي هي أحسن (٢). (١١/ ٥٥٨)

٦٠٠٦٢ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، قال: ليست بمنسوخة، لا ينبغي أن تُجادِل من آمن منهم، لعلهم يُحْدِثون شيئًا في كتاب الله لا تعلمه أنت، فلا تجادله، ولا ينبغي أن تجادل {إلا الذين ظلموا} المقيم منهم على دينه. فذلك الذي يُجادَل، ويقال له بالسيف. قال: وهؤلاء يهود. قال: ولم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد، إنما كانوا يهودًا، هم الذي كلَّموا وحالفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغدرت النضير يوم أحد، وغدرت قريظة يوم الأحزاب (٣). (ز)

٦٠٠٦٣ - عن يحيى بن سلّام في قوله - عز وجل -: {إلا الذين ظلموا منهم}، قال بعضهم: مَن قاتلك ولم يعطك الجزية، يعني: [إذا] أُمر بجهادهم. وإنما أمر بجهادهم بالمدينة، وهذه الآية مكية (٤) [٥٠٥٧]. (ز)


[٥٠٥٧] اختُلِف في المراد بـ «الذين ظلموا» في قوله تعالى: {ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلّا بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ إلّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ}، وهل الآية ثابتة، أم منسوخة؟ على ثلاثة أقوال: أولها: أنّ المراد بهم: الذين لم يؤدُّوا الجزية مِن أهل الكتاب، وحاربوا المسلمين، والمعنى: ولا تجادلوا أهل الكتاب مِن اليهود والنصارى إلا بالتي هي أحسن، إلا المحاربين الذين لم يؤدُّوا الجزية، فأولئك ينبغي جدالهم بالسيف حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية. وهذا قول مجاهد. والثاني: أنّ المراد بهم: المقيمون على كفرهم مِن أهل الكتاب، والمعنى: ولا تجادلوا مَن آمن مِن أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، ثم استثنى مِن ذلك مَن بقي على كفره مِن أهل الكتاب بعد قيام الحجة عليهم. والآية على هذا محكمة غير منسوخة. وهذا قول ابن زيد. والثالث: أنّ المراد بهم: مَن ظَلَمَ المؤمنين بقول أو فِعْل، والمعنى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، ثم استثنى مِن المجادلة بالحسنى مَن ظَلَمَ المؤمنين بقول أو فِعْل، ثم نُسِخَ ذلك بآية القتال والجزية. وهذا قول قتادة.
ورجَّحَ ابنُ جرير (١٨/ ٤٢٠ - ٤٢١) القولَ الأولَ، وانتَقَدَ القولَ الثانيَ استنادًا إلى الدلالة العقلية، وقال: «إنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لأن الله -تعالى ذِكْرُه- أذِن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن بقوله: {إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ}، فمعلوم -إذ كان قد أذن لهم في جدالهم- أنّ الذين لم يُؤذَن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن غيرُ الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمنين؛ لأن المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحقّ؛ لأنه إذا جاء بغير الحق فقد صار في معنى الظَلَمة في الذي خالف فيه الحقّ، فإذ كان ذلك كذلك تبيَّن أن لا معنى لقول مَن قال: عنى بقوله: {ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ} أهل الإيمان منهم».
ورجَّحَ ابنُ عطية (٦/ ٦٥١) القولَ الثالثَ استنادًا إلى أحوال النُّزول، فقال: «الذي يَتَوَجَّه في معنى الآية إنما يتضح في معرفة الحال في وقت نزول الآية، وذلك أن السورة مكية من بعد الآيات العشر الأول، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض، ولا طلب جزية، ولا غير ذلك، وكانت اليهود بمكة وفيما جاورها، فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدال واحتجاج في أمر الدين وتكذيب، فأمر الله تعالى المؤمنين ألا يجادلوهم بالمحاجّة إلا بالحسنى، دعاء إلى الله تعالى وملاينة، ثم استثنى مَن ظلم منهم المؤمنين إما بفعل، وإما بقول، وإما بإذاية محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإما بإعلان كُفْر فاحش كقول بعضهم: عزير ابن الله، ونحو هذا، فإن هذه الصفة استثني لأهل الإسلام معارضتها بالخروج معها عن التي هي أحسن، ثم نسخ هذا بَعْدُ بآية القتال والجزية».
وانتَقَدَ ابنُ جرير (١٨/ ٤٢١) القول بالنسخ؛ لعدم ورود دليل به، فقال: «لا معنى لقول مَن قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال. وزعم أنها منسوخة؛ لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل».
ونحا ابنُ تيمية (٥/ ١١٠ - ١١٢) منحى ابن جرير في اختياره قول مجاهد، وانتقاده القولَ بالنسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>