ورجَّحَ ابنُ جرير (١٨/ ٤٢٠ - ٤٢١) القولَ الأولَ، وانتَقَدَ القولَ الثانيَ استنادًا إلى الدلالة العقلية، وقال: «إنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لأن الله -تعالى ذِكْرُه- أذِن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن بقوله: {إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ}، فمعلوم -إذ كان قد أذن لهم في جدالهم- أنّ الذين لم يُؤذَن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن غيرُ الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمنين؛ لأن المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحقّ؛ لأنه إذا جاء بغير الحق فقد صار في معنى الظَلَمة في الذي خالف فيه الحقّ، فإذ كان ذلك كذلك تبيَّن أن لا معنى لقول مَن قال: عنى بقوله: {ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ} أهل الإيمان منهم». ورجَّحَ ابنُ عطية (٦/ ٦٥١) القولَ الثالثَ استنادًا إلى أحوال النُّزول، فقال: «الذي يَتَوَجَّه في معنى الآية إنما يتضح في معرفة الحال في وقت نزول الآية، وذلك أن السورة مكية من بعد الآيات العشر الأول، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض، ولا طلب جزية، ولا غير ذلك، وكانت اليهود بمكة وفيما جاورها، فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدال واحتجاج في أمر الدين وتكذيب، فأمر الله تعالى المؤمنين ألا يجادلوهم بالمحاجّة إلا بالحسنى، دعاء إلى الله تعالى وملاينة، ثم استثنى مَن ظلم منهم المؤمنين إما بفعل، وإما بقول، وإما بإذاية محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإما بإعلان كُفْر فاحش كقول بعضهم: عزير ابن الله، ونحو هذا، فإن هذه الصفة استثني لأهل الإسلام معارضتها بالخروج معها عن التي هي أحسن، ثم نسخ هذا بَعْدُ بآية القتال والجزية». وانتَقَدَ ابنُ جرير (١٨/ ٤٢١) القول بالنسخ؛ لعدم ورود دليل به، فقال: «لا معنى لقول مَن قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال. وزعم أنها منسوخة؛ لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل». ونحا ابنُ تيمية (٥/ ١١٠ - ١١٢) منحى ابن جرير في اختياره قول مجاهد، وانتقاده القولَ بالنسخ.