ونقل ابنُ كثير (١١/ ١٣ - ١٤) عن بعض قائلي القول الثاني أنهم وجَّهوا ذلك: «بأن قيصر كان قد نذر لئن أظفره الله بكسرى ليمشين من حمص إلى إيليا -وهو بيت المقدس- شكرًا لله - عز وجل -، ففعل، فلما بلغ بيت المقدس لم يخرج منها حتى وافاه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه مع دحية بن خليفة، فأعطاه دحية لعظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر. فلما وصل إليه سأل: مَن بالشام مِن عرب الحجاز؟ فأحضر له أبو سفيان صخر بن حرب الأموي في جماعة من كفار قريش كانوا في غزَّة، فجيء بهم إليه، فجلسوا بين يديه، فقال: أيُّكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا. فقال لأصحابه -وأجلسهم خلفه-: إنِّي سائلٌ هذا عن هذا الرجل، فإن كذب فكذبوه. فقال أبو سفيان: فواللهِ، لولا أن يأثروا عَلَيَّ الكذب لكذبت. فسأله هرقل عن نسبه وصفته، فكان فيما سأله أن قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها. يعني بذلك: الهدنة التي كانت قد وقعت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكفار قريش يوم الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين، فاستدلوا بهذا على أن نصر الروم على فارس كان عام الحديبية؛ لأن قيصر إنما وفّى بنذره بعد الحديبية». ثم ذكر أن «لأصحاب القول الأول أن يجيبوا عن هذا بأن بلاده كانت قد خربت وتشعثت، فما تمكن من وفاء نذره حتى أصلح ما ينبغي إصلاحه وتفقد بلاده، ثم بعد أربع سنين من نصرته وفّى بنذره». ثم علَّق على ما سبق بقوله: «والأمر في هذا سهل قريب». ورجَّح ابنُ تيمية (٥/ ١١٨) أنّ الخبر بظهور الروم على فارس جاء يوم الحديبية قائلًا: «وهذا هو الصحيح». ولم يذكر مستندًا. وذكر ابنُ عطية (٧/ ٨ - ٩) في قوله تعالى: {يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ} ثلاثة احتمالات: الأول: «أن يُشار فيه إلى نصر الروم على فارس». وعلَّق عليه بقوله: «وهي نصرة للإسلام بحكم السنين التي قد ذكرناها». الثاني: «أن يُشار فيه إلى نصر يخص المسلمين على عدوهم». وعلَّق عليه بقوله: «وهذا أيضًا غيبٌ أخبر به وأخرجه إما بيوم بدر، وإما ببيعة الرضوان». الثالث: «أن يُشار فيه إلى فرح المسلمين بنصر الله تعالى إيّاهم في أن صدق ما قال نبيُّهم عليه الصلاة والسلام في أن الروم ستغلب فارس، فإن هذا ضربٌ من النصر عظيم».