مَحِيصٍ} [إبراهيم: ٢١]، أي: ملجأ، فقام إبليس عند ذلك فخطبهم: {إنَّ اللَّهَ وعَدَكُمْ وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وما كانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكُمْ فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِمُصْرِخِكُمْ} يقول: بمغنٍ عنكم شيئًا، {وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} [إبراهيم: ٢٢]. فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، فنودوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أكْبَرُ مِن مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ. قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ}. فرد عليهم: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ} [غافر: ١٠ - ١٢]. قال: هذه واحدة. قال: فنادوا الثانية: {رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ}. فرد عليهم: {ولَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعًا فلم يختلف منهم أحد، {ولَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذا} يقول: بما تركتم أن تعملوا ليومكم هذا، {إنّا نَسِيناكُمْ}: إنا تركناكم، {وذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهذه اثنتان. قال: فنادوا الثالثة: {رَبَّنا أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ}. فرد عليهم: {أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِن قَبْلُ ما لَكُمْ مِن زَوالٍ. وسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ وتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وضَرَبْنا لَكُمُ الأَمْثالَ. وقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنهُ الجِبالُ} [إبراهيم: ٤٤ - ٤٦]. قال: هذه الثالثة. قال: ثم نادوا الرابعة: {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل}. قال: {أوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ} [فاطر: ٣٧]. فمكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: {ألَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ}. فلما سمعوا ذلك قالوا: الآن يرحمنا ربنا. وقالوا عند ذلك: {رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا} [المؤمنون: ١٠٥ - ١٠٦] أي: الكتاب الذي كتبت علينا {وكُنّا قَوْمًا ضالِّينَ. رَبَّنا أخْرِجْنا مِنها فَإنْ عُدْنا فَإنّا ظالِمُونَ}. فقال عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٥ - ١٠٨]، فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم على بعض، ينبح بعضهم في وجه بعض، وأطبقت عليهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute