ووجَّه ابنُ عطية (٧/ ٧٩) القول الثالث بقوله: «فيكون -على هذا التأويل- الرّاجعُ غير الذي يذوق، بل الذي يبقى بعده». ووجَّه القولَ الثاني بقوله: «ويتَّجه -على هذا التأويل- أن يكون في فسقة المؤمنين». ووجَّه ابنُ القيم (٢/ ٣٢٣) القول الخامس بقوله: «وقد احتج بهذه الآية جماعةٌ -منهم: عبد الله بن عباس- على عذاب القبر، وفي الاحتجاج بها شيء؛ لأن هذا عذاب في الدنيا يستدعي به رجوعهم عن الكفر، ولم يكن هذا مما يخفى على حبر الأمة وترجمان القرآن، لكن مِن فقهه في القرآن ودقة فهمه فيه فهم منها عذاب القبر؛ فإنه سبحانه أخبر أن له فيه عذابين أدنى وأكبر، فأخبر أنه يذيقهم بعض الأدنى ليرجعوا، فدلَّ على أنه بقي لهم مِن الأدنى بقية يعذبون بها بعد عذاب الدنيا، ولهذا قال: {مِنَ العَذابِ الأَدْنى}، ولم يقل: ولنذيقنَّهم العذاب الأدنى. فتأمَّله». ورجَّح ابنُ جرير (١٨/ ٦٣٢) مستندًا إلى دلالة العموم شمول معنى الآية لكل عذاب وقع للكفار في الدنيا، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك أن يُقال: إنّ الله وعد هؤلاء الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الأدنى، أن يذيقَهموه دون العذاب الأكبر، والعذاب: هو ما كان في الدنيا من بلاءٍ أصابهم؛ إما شدةٌ من مجاعة، أو قَتْلٌ، أو مصائب يصابون بها، فكلُّ ذلك من العذاب الأدنى، ولم يَخْصُصْ الله -تعالى ذِكْرُه- إذ وعدهم ذلك أن يعذِّبهم بنوعٍ من ذلك دون نوعٍ، وقد عذَّبهم بكلِّ ذلك في الدنيا؛ بالقتل، والجوع، والشدائد، والمصائب في الأموال، فأوفى لهم بما وعدهم».