ورجَّح ابنُ جرير (١٨/ ٦٤٤) مستندًا إلى ظاهر الآيات والدلالة العقلية القول الأول، وهو قول قتادة، ومقاتل، ويحيى بن سلام، وعلَّل ابنُ جرير ذلك، فقال: «يدل على أن ذلك معناه قوله: {قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ ولا هُمْ يُنْظَرُونَ}، ولا شك أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده، ولو كان معنى قوله: {مَتى هَذا الفَتْحُ} على ما قاله من قال: يعني به: فتح مكة؛ لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة، ولا شك أن الله قد تاب على بَشَرٍ كثيرٍ من المشركين بعد فتح مكة، ونفعهم بالإيمان به وبرسوله، فمعلومٌ بذلك صحة ما قلنا من التأويل، وفساد ما خالفه». ورجَّحه ابنُ عطية (٧/ ٨٣)، فقال: «وهو أقوى الأقوال». ولم يذكر مستندًا. ورجَّح ابنُ كثير (١١/ ١٠٩) القول الأول، وانتقد القول الثاني مستندًا إلى دلالة التاريخ والنظائر، فقال: «ومَن زعم أنّ المراد من هذا الفتح: فتح مكة؛ فقد أبعد النّجعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح قد قَبِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريبًا من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة لما قَبِلَ إسلامهم؛ لقوله: {قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ ولا هُمْ يُنْظَرُونَ}، وإنما المراد: الفتح الذي هو القضاء والفصل، كقوله تعالى: {فافْتَحْ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ فَتْحًا ونَجِّنِي ومَن مَعِيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ١١٨]، وكقوله: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالحَقِّ وهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ} [سبأ: ٢٦]، وقال تعالى: {واسْتَفْتَحُوا وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: ١٥]، وقال: {وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: ٨٩]، وقال: {إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ} [الأنفال: ١٩]». وانتقد ابنُ عطية القول الثاني مستندًا إلى ظاهر الآيات والدلالة العقلية قائلًا: «وهذا ضعيف، يردُّه الإخبار بأن الكفرة لا ينفعهم الإيمان، فلم يَبْقَ أن يكون الفتح إما حُكْمُ الآخرة، وهو قول مجاهد، وإما فَصْل الدنيا كبدر ونحوه».